قصّةُ الإطارِ
كانَتْ هذِهِ الرحلةُ مِنْ أعجبِ الرحلاتِ التي مَرَّتْ بي في حياتي. فَلَمْ أكدْ أَحلُّ بالفندقِ حتّى رأيتُ جماعةً مِنَ التجّارِ يتحدّثونَ، فبدأتُهُم بالسلامِ، فَرَدّوا عليَّ أحسنَ رَدٍّ، ورحَّبوا بي أكرمَ ترحيبٍ. ثمَّ عادوا يتحدّثونَ كما كانوا قبلَ حُضوري، قالَ أحدهُم:
استهانَ الناسُ بهذا الشرطِ، وتهافَتَ الرواةُ والقصاصُ على السلطانِ مِنْ كلِّ مكانٍ يسمعونَهُ أغربَ الأخبارِ، دونَ أنْ يَظْفَرَ أحدٌ بفائدةٍ. وكانتْ جَماعتُنا في جملةِ الوافدينَ عليه، وقدْ تَفَنَّنَ كلُّ واحدٍ مِنّا في
الكذبِ ما وسعَهُ مِنَ الافْتِنانِ، فلَمْ يُكَذّبْنا السلطانُ فيما ادّعَيْناهُ. قلتُ: “فماذا قَصَصْتُمْ عليهِ؟”
يُحكى أنَّ السلطانَ سليمان قدْ وَرَثَ –فيما وَرَثَ- مِنْ أبيهِ السلطانِ كنعان مَلِكِ “خوارزمَ” وزّةً ذهبيَّةً جميلةَ الشكلِ، بديعةَ الصنعِ. وقدْ تَفَنَّنَ صاحبُها في صنعِها وحَلّاها بالذهبِ والحجارةِ الكريمةِ، ورَكَّبَ لها عينَيْنِ مِنْ أَنْفُسِ اللآلِئِ النادرةِ. ولعلَ السلطانَ أرادَ أنْ يَخْتَبِرَ ذكاءَ الناسِ، أوْ لعلَّهُ أرادَ أنْ يداعبَهُم؛ فأذاعَ أنّهُ سيكافئُ بهذِهِ الوّزةِ مَنْ يروي لَهُ قصّةً، بشرطٍ واحدٍ هوَ أنْ تكونَ القصّةُ كاذبةً، تضطرّهُ إلى تكذيبِ صاحبِها فيما روى.
“أَلَمْ أقُلْ لكُم إنَّ أبا الغصن جحا هوَ أذكى رجلٍ في هذا العصرِ الذي نعيشُ فيهِ! وإنَّهُ استطاعَ بذكائِهِ أنْ يَظْفَرَ وحدَهُ بوزّةِ السلطانِ؟” فسألتُهُ: ماذا يعني بوزّةِ السلطانِ وما قصّتُها؟ فقالَ مدهوشًا: “ما أعجبَ شأنَكَ! ألمْ تسمعْ بقصّةِ هذهِ الوزّةِ الذهبيّةِ التي ذاعَ صيتُها في كلِّ مكانٍ؟ فَمِنْ أيِّ البلادِ أنتَ؟” قلتُ: مِنَ الكوفةِ. فقالَ: “لَعَلَّ أخبارُها لمْ تَصِلْ إليكَ، فاسمعْ إِذن”:
في رأسِ الجملِ
خيّاطُ السحابِ
فقالَ الثاني: “أمّا أنا فقدْ أخبرتُهُ أنّني خيّاطٌ بارعٌ، وأنّني رأيتُ السحابَ بالأمسِ مَشْقوقًا. فصعدْتُ إلى أعلى الجبلِ لكي أرفوَهُ فَيَتَّصِلُ بَعْضُهُ ببعضٍ. وما زلتُ أرفو جوانبَ السحابِ كما أخيطُ الثوبَ، حتّى عادَ السحابُ كما كانَ. فقالَ لي السلطانُ مُداعِبًا: “لقدْ عَلمْتُ صِدْقَ حديثِكَ منذُ الأمسِ، لأنّني رأيتُ السحابَ يجتمعُ بعدَ أنْ تَفَرَّقَ، ولكنَّكَ نَسيْتَ أنْ تُخيطَ الجانبَ الشماليَّ مِنْهُ، أوْ لعلّكَ عجزْتَ عَنِ الوصولِ إليْهِ، ولكَ العذرُ في ذلكَ لِبُعْدِهِ عَنِ الجبلِ.
السهمُ والغزالُ
حُلمُ جحا
كانَ أبو الغصن جحا بينَ الوافدينَ، يستمعُ إلى قصصهِمِ بدهشةٍ واستغرابٍ. وقد شاءَ لَهُ القدرُ أنْ يجرِّبَ حظّهُ أمامَ السلطانِ، فروى لنا ما جرى معَهُ قائلًا: استمرَ المُتَكاذِبونَ -وكانوا عشرةً- يقصّونَ قصصهِم الكاذبةَ أمامي، وقدْ باءَتْ جميعُها بالفشلِ. ولمّا حانَ موعدُ النومِ تفرّقَ الجمعُ، وذهبَ كلُّ واحدٍ إلى فِراشِهِ لينامَ. وبِتُّ طولَ لَيْلي أفكرُ وأُمَنّي نفسي بالحصولِ على الوّزةِ الذهبيّةِ. ورأيتَني بالمنامِ أقصُّ على السلطانِ قِصَّتي. حتّى إذا انتهيتُ مِنْها رجعتُ بالوّزةِ فرِحًا غانمًا. ولمْ أكدْ استيقظُ مِنْ نومي حتّى تَرَكْتُ الفندقَ. وما زِلْتُ أواصلُ السيرَ حتّى بلغتُ عاصمةَ الملكِ ومقرَّ السلطانِ. فأسرعْتُ إلى سوقِ المدينةِ فاشتريْتُ مِنْها جرّةً كبيرةً كما رأيتُ في منامي أخذتُها معي إلى قصرِ السلطانِ.
تحقيقُ الرؤيا
Published: May 4, 2021
Latest Revision: May 4, 2021
Ourboox Unique Identifier: OB-1126964
Copyright © 2021