وزة السلطان by Mahdi Ahmad Abu Hamed - Illustrated by مهدي احمد ابو حامد - Ourboox.com
This free e-book was created with
Ourboox.com

Create your own amazing e-book!
It's simple and free.

Start now

وزة السلطان

by

Artwork: مهدي احمد ابو حامد

  • Joined May 2021
  • Published Books 1

قصّةُ الإطارِ

كانَتْ هذِهِ الرحلةُ مِنْ أعجبِ الرحلاتِ التي مَرَّتْ بي في حياتي. فَلَمْ أكدْ أَحلُّ بالفندقِ حتّى رأيتُ جماعةً مِنَ التجّارِ يتحدّثونَ، فبدأتُهُم بالسلامِ، فَرَدّوا عليَّ أحسنَ رَدٍّ، ورحَّبوا بي أكرمَ ترحيبٍ. ثمَّ عادوا يتحدّثونَ كما كانوا قبلَ حُضوري، قالَ أحدهُم:
استهانَ الناسُ بهذا الشرطِ، وتهافَتَ الرواةُ والقصاصُ على السلطانِ مِنْ كلِّ مكانٍ يسمعونَهُ أغربَ الأخبارِ، دونَ أنْ يَظْفَرَ أحدٌ بفائدةٍ. وكانتْ جَماعتُنا في جملةِ الوافدينَ عليه، وقدْ تَفَنَّنَ كلُّ واحدٍ مِنّا في

الكذبِ ما وسعَهُ مِنَ الافْتِنانِ، فلَمْ يُكَذّبْنا السلطانُ فيما ادّعَيْناهُ. قلتُ: “فماذا قَصَصْتُمْ عليهِ؟”

 

يُحكى أنَّ السلطانَ سليمان قدْ وَرَثَ –فيما وَرَثَ- مِنْ أبيهِ السلطانِ كنعان مَلِكِ “خوارزمَ” وزّةً ذهبيَّةً جميلةَ الشكلِ، بديعةَ الصنعِ. وقدْ تَفَنَّنَ صاحبُها في صنعِها وحَلّاها بالذهبِ والحجارةِ الكريمةِ، ورَكَّبَ لها عينَيْنِ مِنْ أَنْفُسِ اللآلِئِ النادرةِ. ولعلَ السلطانَ أرادَ أنْ يَخْتَبِرَ ذكاءَ الناسِ، أوْ لعلَّهُ أرادَ أنْ يداعبَهُم؛ فأذاعَ أنّهُ سيكافئُ بهذِهِ الوّزةِ مَنْ يروي لَهُ قصّةً، بشرطٍ واحدٍ هوَ أنْ تكونَ القصّةُ كاذبةً، تضطرّهُ إلى تكذيبِ صاحبِها فيما روى.

“أَلَمْ أقُلْ لكُم إنَّ أبا الغصن جحا هوَ أذكى رجلٍ في هذا العصرِ الذي نعيشُ فيهِ! وإنَّهُ استطاعَ بذكائِهِ أنْ يَظْفَرَ وحدَهُ بوزّةِ السلطانِ؟” فسألتُهُ: ماذا يعني بوزّةِ السلطانِ وما قصّتُها؟ فقالَ مدهوشًا: “ما أعجبَ شأنَكَ! ألمْ تسمعْ بقصّةِ هذهِ الوزّةِ الذهبيّةِ التي ذاعَ صيتُها في كلِّ مكانٍ؟ فَمِنْ أيِّ البلادِ أنتَ؟” قلتُ: مِنَ الكوفةِ. فقالَ: “لَعَلَّ أخبارُها لمْ تَصِلْ إليكَ، فاسمعْ إِذن”:

 

 

2

في رأسِ الجملِ

قالَ الأوّلُ: “أمّا أنّا فزعمتُ لَهُ أنّني كنتُ راكبًا جملي في الصحراءِ ذاتَ يومٍ، فلّما طالَ بي السفرُ شعرتُ بالجوعِ. فبحثْتُ عَنْ شيءٍ آكلُهُ، فلَمْ أجِدْ غيرَ بَلَحَةٍ واحدةٍ فأكلتُها، ثمَّ رَمَيْتُ نُواتَها فوقعَتْ على رأسِ الجملِ، فإذا بها تغوصُ في رأسِهِ ثمَّ تَنْبُتُ في الحالِ، فإذا بِها نخلةٌ طويلةٌ ذاهبةٌ في الجوِّ. فَرُحْتُ اتسلّقُ هذهِ النخلةِ، ولمْ أكدْ أَصِلُ إلى أعلاها، حتّى رأيتُها قدْ أثمرَتْ بَلَحًا لذيذَ الطعمِ. فَرُحْتُ آكُلُ البلحَ وأرمي بِنَواهُ إلى الأرضِ فَيَنْبُتُ النَوى- في الحالِ- نخلًا عاليًا مثمرًا، حتّى امتلأتِ الصحراءُ نخلًا. ولمْ أكدْ أنتهي مِنْ هذهِ القصّةِ الكاذبةِ حتّى أَيْقَنْتُ أنَّ السلطانَ سيغضبُ مِمّا سَمِعَ مِنَ الكذبِ، ويصرخُ في وجهي مُكَذِّبًا إيّايَ، وبذلكَ أَسْتَحقُ الوّزةَ الذهبيّةَ مُكافأةً على هذِهِ القصّةِ الكاذبةِ. ولكنَّهُ ابتسمَ في وجهي قائلًا: “هذِهِ قصّةٌ جميلةُ ومِنَ الجائِزِ أنْ تكونَ صحيحةً”!

3

خيّاطُ السحابِ

فقالَ الثاني: “أمّا أنا فقدْ أخبرتُهُ أنّني خيّاطٌ بارعٌ، وأنّني رأيتُ السحابَ بالأمسِ مَشْقوقًا. فصعدْتُ إلى أعلى الجبلِ لكي أرفوَهُ فَيَتَّصِلُ بَعْضُهُ ببعضٍ. وما زلتُ أرفو جوانبَ السحابِ كما أخيطُ الثوبَ، حتّى عادَ السحابُ كما كانَ. فقالَ لي السلطانُ مُداعِبًا: “لقدْ عَلمْتُ صِدْقَ حديثِكَ منذُ الأمسِ، لأنّني رأيتُ السحابَ يجتمعُ بعدَ أنْ تَفَرَّقَ، ولكنَّكَ نَسيْتَ أنْ تُخيطَ الجانبَ الشماليَّ مِنْهُ، أوْ لعلّكَ عجزْتَ عَنِ الوصولِ إليْهِ، ولكَ العذرُ في ذلكَ لِبُعْدِهِ عَنِ الجبلِ.

4

السهمُ والغزالُ

قالَ الثالثُ: أمّا أنا فزعمْتُ لَهُ أنّني صيّادٌ ماهرُ، وأنّني رأيتُ في إحدى الصحاري غزالًا، فأطلقتُ عليهِ السهمَ لاصطادَهُ. فلّما رأى ذلكَ جرى يمينًا، فجرى السهمُ مَعَهُ جهةَ اليمينِ. ثمَّ جرى الغزالُ يسارًا فاتّجَهَ السهمُ بنفسِ الاتجاهِ، ثمَّ قفزَ الغزالُ في الفضاءِ فارتفعَ السهمُ إليهِ، ثمَّ هبطَ الغزالُ إلى الأرضِ فهبطَ السهمُ معَهُ. وأسرعَ إلى قلبِ الغزالِ فقتلَهُ في الحالِ. فقالَ السلطانُ: ليستْ هذِهِ القصّةُ بأعجبَ ممّا رواهُ لي أحدُ الوافدينَ عليَّ منذُ أيّامٍ. فقدْ أخبرَني أنّهُ أطلقَ سهمَهُ على أحدِ الغزلانِ ذاتَ يومٍ. فلّما رأى الغزالُ السهمَ مُسرعًا إليهِ، يكادُ يقتلُهُ ظهرَ الخوفُ على وجهِهِ فدمعَتْ عيناهُ. عندئذٍ تألَّمَ الصيامُ وندمَ على فعلتِهِ، فأسرعَ يجري خلفَ السهمِ حتَى أدركَهُ وأعادَهُ إلى جعبةِ السهامِ، قبلَ أنْ يقتلَ الغزالَ، فتمَّتْ للغزالِ النجاةُ قبلَ أنْ يفارقَ الحياةَ.

5

حُلمُ جحا

كانَ أبو الغصن جحا بينَ الوافدينَ، يستمعُ إلى قصصهِمِ بدهشةٍ واستغرابٍ. وقد شاءَ لَهُ القدرُ أنْ يجرِّبَ حظّهُ أمامَ السلطانِ، فروى لنا ما جرى معَهُ قائلًا: استمرَ المُتَكاذِبونَ -وكانوا عشرةً- يقصّونَ قصصهِم الكاذبةَ أمامي، وقدْ باءَتْ جميعُها بالفشلِ. ولمّا حانَ موعدُ النومِ تفرّقَ الجمعُ، وذهبَ كلُّ واحدٍ إلى فِراشِهِ لينامَ. وبِتُّ طولَ لَيْلي أفكرُ وأُمَنّي نفسي بالحصولِ على الوّزةِ الذهبيّةِ. ورأيتَني بالمنامِ أقصُّ على السلطانِ قِصَّتي. حتّى إذا انتهيتُ مِنْها رجعتُ بالوّزةِ فرِحًا غانمًا. ولمْ أكدْ استيقظُ مِنْ نومي حتّى تَرَكْتُ الفندقَ. وما زِلْتُ أواصلُ السيرَ حتّى بلغتُ عاصمةَ الملكِ ومقرَّ السلطانِ. فأسرعْتُ إلى سوقِ المدينةِ فاشتريْتُ مِنْها جرّةً كبيرةً كما رأيتُ في منامي أخذتُها معي إلى قصرِ السلطانِ.

6

تحقيقُ الرؤيا

لمْ يكدْ السلطانُ يرى الجرّةَ الكبيرةَ حتّى ظهرَتْ على وجهِهِ علاماتُ العَجَبِ، فسألني: “لماذا أحضرْتَها؟” فقلتُ لَهُ: “إنَّ لهذِهِ الجرّةَ يا مولايَ قصّةً عجيبةً. فقدْ كانَ أبي رحمَهُ اللهُ أصدقُ صديقٍ لوالدِكُم العظيمِ. وكانَ مُسْتَشارَهُ ووزيرَهُ ونديمَهُ. فلمْ يكنُ السلطانُ الراحلُ، عليْهِ رحمةُ اللهِ ورضوانُهِ، يصنعُ شيئًا إلّا بعدَ أنْ يستشيرَ والدي ويعرفَ رأيَهُ. وفي أواخِرِ عهدِهِ المباركِ اشتبكَتِ البلادُ في حربٍ طاحِنَةٍ مَعَ بعضِ الأعداءِ الذينَ كانوا يطمَعونَ في ملكِ والدِكَ العادلِ. ودامَتْ الحربُ سنواتٍ عديدةً حتّى فَرَغَتْ خزائنُ الدولةُ كلُّها ولمْ يبقَ فيها شيءٌ مِنَ المالِ.

وكانتْ هذِهِ الجرّةُ عندَ أبي وقدْ وَرِثَها مِنْ أبيهِ وكانتْ مَمْلوءَةً بالذهبِ، فلّما رأى الدولةَ في هذِهِ الحالِ السيئةِ خَشِيَ أنْ ينتصرَ الأعداءَ. فحملَ الجرّةَ وما بِها مِنْ ذهبٍ أصفرَ رنّانٍ وديعةً عندَ مَوْلانا السلطانِ لِيُنْفِقَ منْهُ ما يشاءُ حتّى إذا كسبَ الحربَ وتمَّ لهُ النصرَ، أعادَ إليهِ مِلئَها ذهبًا. فإذا ماتَ أبي أوْ ماتَ مَوْلاهُ فإِنَّ مَنْ يخلفُهُ كفيلٌ بالوفاءِ بالدينِ وردِّ الوديعةِ إلى وَلَدِهِ.

وها قدْ مرَّتْ عدّةُ سنواتٍ على موتِهِما، وقدْ ازدهرَتْ الدولةُ في عَهْدِكُمْ الزاهرِ، ونَمَتْ خزائنُ الدولةِ وفاضتْ بالمالِ، فجئتُ أطلبُ الدينَ يا مولايَ راجيًّا أنْ تَأْذَنوا لي بردِّ الوديعةِ في الحالِ.

 

ولمْ أكدْ أبلغُ هذا الحدِّ مِنْ قصّتي، حتّى تَحَقَقَ ما رأيتْهُ في منامي مِنْ صادقِ الأحلامِ. فقدْ استَوْلى الغضبُ على السلطانِ وصرخَ في وجهي قائلًا: “ما رأيتُ أعجبَ مِنْ جرأتِكَ ولا سمعتُ أكذبَ مِنْ قصّتِكَ!”

فقلْتُ وقدْ صَدَقَ ما أَمَلْتُ، وصَحَّ ما توقّعْتُ: “لقدْ اعترفْتَ يا مولايَ بأنَّ قصَّتي كاذبةٌ. فهلْ تراني بذلكَ أستحقُّ الوزّةَ؟” فابتسمَ السلطانُ وقدْ أعجبَ بِوَسيلَتي وحُسْنِ حيلَتي ومَنَحَني الوزّةَ الذهبيّةَ فَعُدْتُ بها إلى بلدي شاكرًا مسرورًا.

7
This free e-book was created with
Ourboox.com

Create your own amazing e-book!
It's simple and free.

Start now

Ad Remove Ads [X]
Skip to content