مهمة لمساق القصة القصيرة -قصة الحادث

يوسف إدريس

قدم الأديب الراحل يوسف إدريس خلال رحلة إبداعه وحياته التي امتدت 64 عاما العديد من الأعمال الإبداعية المؤسسة والرفيعة، خاصة فى مجال القصة القصيرة، وكان الطبيب القاص أكثر الكتاب ارتباطا بالشارع والمجتمع، واهتم في أعماله بحياة البسطاء والمهمشين الذين يصنعون تفاصيل الحياة اليومية

جمع يوسف إدريس -المولود فى 18 يوليو/تموز1927- في أعماله بين نظرة الصحفي والأديب والمفكر، وكان على معرفة عميقة بواقع المجتمع المصري الذي تناوله بالنقد بالسخرية الأدبية اللاذعة

.والجريئة

المجموعة القصصية

 تنتمي قصة “الحادث” للمجموعة القصصية “أرخص ليالي “صدرت هذه المجموعة

 في عام 1954، مغرقة في الواقعية المصرية في العصر القديم، زمن يوسف إدريس وماقبله. تحتفي بحياة القرية والمدينة المصرية، حيث هموم الشخوص وارتباطهم بالأرض والمكان. يتميز بتقديم عدد كبير متنوع من الشخصيات التي تبدو بسيطة في مظهرها وإن كان المضمون الذي يريد يوسف إدريس توصيله أعمق بكثير من بساطة شخصياته، وهذا بلا شك أحد جوانب عبقرية يوسف إدريس.

أرخص ليالي – المعرفة (marefa.org)

المضامين

تلخيص القصة: ذهب عبد النبي وزوجته ذات يوم إلى مصر وتحديدًا القاهرة في نزهة بفصل الصيف، تجولوا قليلا وكانت تفاحة مندهشة من نساء مصر وطريقة لباسهنّ، ونظراتهنّ للذكور دون خجل، بعد أن تجولوا قليلا وصلوا إلى النيل حتى يشاهدوه، تاهت تفاحة بنظراتها للبحر، وفجأةً، صرخت تستغيث دون أن يعرف زوجها ما حدث لها، وبعد أن صوّب نظراته نحو المكان الذي تنظر له تفاحة وجد قارب صغير أشبه بقوار الورق الصغيرة، داخله طفل صغير، يرتدي لباس البحارة، شعره أصفر، يجلس بهدوء، يجدف بثقة، أكملت تفاحة بالاستغاثة أن الأمر خطير ويجب إنقاذ الطفل، أجاب عبد النبي أن من المؤكد أن أمه وأبوه في مكان قريب منه، لم تهدأ تفاحة، فتجمعوا الناس على صوتها، وانقسموا إلى أقسام، قسم من الناس من رأى الطفل فعلا واسترعى الطفل تفكيرهم، وقسم منهم لفت انتباهه لباس تفاحة وزوجها على أنهم ليسوا من المنطقة، وقسم أخذ الأمر على محمل الهزل والسخرية من عبد النبي وزوجته دون اكتراث لموضوع الطفل.

بعد مضي فترة من الوقت ظهر رجلان يرتديان لباس أبيض والطفل يلوّح لهما، هذا الأمر لم يخفف من غضب تفاحة على أبويه، وطريقة تركهم له في البحر.

عادا عبد النبي وزوجته، وتناقلوا مع جيرانهم حادثة الطفل في النيل دون تذكر أي تفصيل

آخر

الفكرة: اختلاف وجهات النظر  بين سكان الضواحي وسكان العاصمة، فنرى أن الأمر نفسه كل منهم ينظر له بطريقة مختلفة، كما أن تربية الريف المصري تختلف عن تربية العاصمة، والحادث أتى لتجسيد فكرة اختلاف وجهات النظر، حتى إننا رأينا أن سكان المدينة نفسها كل منهم نظر للأمر بطريقة مختلفة. فحسب درجات المعرفة ومستوى الثقافة وطريقة التربية تختلف وجهات النظر

القصة مُسجلّة من خلال الرابط

الحدث: تدور أحداث القصة حول الزوجين عبد النبي وتفاحة اللذان ذهبا للقاهرة للتجول، والصراع النفسي الذي اجتاحهم عند رؤية الطفل في القارب داخل البحر، لم يعرف عبد النبي تحديد موقفه، تارةً يخاف، تارةً يهدأ، أما تفاحة فكانت طوال الوقت مذعورة، وتطلب النجدة للطفل، انتهى الأمر فيهما أنهما شاهدا رجلان يرتديان الأبيض يقتربان من الطفل والطفل يلوح لهما، عادا وهما يتناقلان الحادثة، مهمّشين ما شاهدوه من معالم في القاهرة

المكان العام: القاهرة

أماكن خاصة: اللوكاندة في سيدنا الحسين، بجانب النيل، القطار.

الزمان العام: ذات عام، في فصل الصيف.

الزمان الخاص: وقت العصر

الشخصيات

الشخصية لها داخل وخارج وظاهر وباطن، ووعي ولاوعي، متعددة الطوابق النفسية، والروحية، متناقضة الفكر والسلوك، قد تشابه الواقع أو تشاكله، ولكنها لا تنسخه ولا تختزله. لم تعد الشخصية هي الشخص، بل ربما كانت الزمان أو المكان أو الموقف. العلاقات بين العناصر المختلفة تتطور وتطور بعضها بعضا ، فتختلف مستويات المعنى من دلالة صوتية إلى دلالة حدثية إلى بقية الدلالات التي تشكل فيما بينها نظاما دلاليا متكاملا ، ولكنه مفتوح الأبواب على احتمالات لا حد لغناها.

(غالي شكري، مجلة العربي)http://www.3rbi.info/Article.asp?ID=115

• عبد النبي: مُدرّس، حالته الاقتصادية متوسطة مائلة للفقر، طويل القامة، نحيف
• تفاحة: زوجة عبد النبي، ترى نفسها دائما أنها تفهم أكثر من زوجها في أمور عدة، كونه مجرد مُدرّس
• الطفل: شعره أصفر، لا يتجاوز عمره الأربع سنوات
• الناس: انقسموا إلى ثلاثة أقسام، قسم من اهتم بأمر الطفل، قسم من اهتم بمظهر الزوجين، قسم من استهزأ من الزوجين ولباسهما

• الشخصان اللذان يرتديان لباسا أبيض

الحوار: كما أن الحوار يعد ركنًا هامًا من أركان القصة عنده، ويمثل جزءًا من التطور الدرامي للشخصيات التي غالبًا ما كانت من البسطاء الذين يصارعون من أجل الصمود أمام مشاق الحياة، ولعل في الظروف التي كان يعيشها الشعب المصري حينها وضغط الفقر والحرمان من أبسط حقوقه الإنسانية ما يفسر اتجاه إدريس نحو هذا النوع من الأبطال في قصصه، ومن الأسلوب الذي اتخذه للتعبير عنهم، من خلال الحوار الذي يأتي لتقريب ما يدور داخل شخصياته من تصعيد نفسي وتصعيد للأحداث، حيث نرى في النص أن إدريس استعمل الحوار كثيرا بين عبد النبي وزوجته، وحوار الناس مع تفاحة، الحوار بين تفاحة وبين جاراتها، مبينًا من خلال الحوار كمية  الخوف الذي كان ينتابها كلما رأت الطفل كما أنها لم تنسَ الحادثة لمدة طويلة بعد عودتها

“مثال: ” يا شيخ اتحرك، ألحق يا عبد النبي

“مثال: “يا ست متخافيش، ده الولد بيتفسح

https://www.aljazeera.net/news/cultureandart/2011/8/1/%D9%8A%D9%88%D8%B3%D9%81-%D8%A5%D8%AF%D8%B1%D9%8A%D8%B3-%D8%B3%D9%8A%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B5%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B5%D9%8A%D8%B1%D8%A9

.الحبكة: تمثلت عند مشاهدة تفاحة للطفل داخل البحر، وذعرها وخوفها عليه من الغرق

الذروة والعقدة: بعد مرور فترة من الزمن، ولا زالوا يتناقشون بأمر الطفل، وخوف تفاحة يزداد مع الوقت، لم يقم أحد بفعل أي شيء، ظهر رجلان يرتديان الأبيض، فغضبت تفاحة أكثر، بحيث  من وجهة نظرها كيف لأبويه أن يتركا طفلا بهذه الحالة

:اللغة

ويوظّف إدريس في هذه القصة الكثير من اللغة المصرية المحكية، مثل: تخافيش، بس لو تطولي بالك…، وذلك بهدف إيصال الشعور بدقة، وتقريب النص من الواقع، حيث يشعر القارئ أنه من المجتمع نفسه، واللغة ليست غريبة عنه، حيث أن إدريس دائمًا حاول أن يكون قريبًا من الشعب وأن ينشر رسالة ووجع الشعب المصري، فنجده حريص في أغلب قصصه أن ينقل الكلام باللهجة المصرية، حيث نجدُ كاتبَنا يَعمَدُ إلى تعبيراتٍ موغِلَةٍ في المصريّة ويُفَصِّحُها أحيانًا أو يستعملُها كما هي في مَتن سَردِه، كما في قوله “منديلَه النُّصّ نُصّ الأبيَض”. لقد كان حريصًا على أن يُبرِزَ الوحدات اللُّغويّةَ حالَ نحتِها من طِينِ القريةِ في دلتا النِّيلِ أو تُرابِ الحارةِ القاهِريّة

فالقصة مرآة الواقع ومعين ثقافة المجتمع، لذا نرى توظيف الكاتب بعض الألفاظ العامية المستوحاة من الثقافة المصرية التي تؤدي الغرض المعنوي من عرض القصة،إلى جانب توظيفه لألفاظ تسهم في نقل الأحاسيس والمشاعر عبر لهجة عامية قريبة من النفس والوجدان، كونها تعيش متجذرة متأصلة بأعماق تلك النفس والمجتمع.

( عثمان،مشكاة الأدب، 2013،ص 147)

(محمد سالم عبادة، ليالي”يوسف إدريس”..ديوانه الأول،2020،عربي21)

:العنوان

 الحادث” المحطة التي من خلالها حاول الكاتب أن يلخص وجهة نظره من الرسالة التي أراد  أن يوصلها للقارئ، فالحادث كان بمثابة عملية تلخيص لكل الأفكار بالنسبة لوجهات النظر التي تتأثر من الخلفية المعرفية والثقافية، وطريقة التربية، فكل من الأشخاص شاهد ” الحادث” من وجهة نظر

  مختلفة بحسب خلفيته الثقافية والمعرفية وبحسب مكان نشأته وطريقة تفكيره التي ترعرع حسبها.

:المحسنات البيانية

“التشبيه: ” هادئة بجواره كالحمل الرضيع

استعارة: “والغريب بعد هذا أن ياقة السترة، وحافة الطربوش كانتا دائما من أمتع الأمكنة التي يحلو للعرق والتراب البقاء فيها واستعمارها”. عامل المجردات معاملة الكائنات الحية.

:أسلوب الرمز

لاحظت أن إدريس حاول أن يستعمل الرمز في أكثر من موضع، فنراه أنه اختار الطفل لأن البشر غالبًا ما تتعاطف مع الأطفال أكثر من الكبار، فممكن لو أنه اختار رجل كبير ووضعه في القارب لم تكن تفاحة أعارته أي اهتمام كما فعلت عندما رأت الطفل، لأن وجود طفل داخل قارب في البحر وحيد هذا أمر ليس عادي، فالطفل هنا شخصية ثانوية يجسد الحادث، وكأنه هو الحادثة المهمة.

أما عن الشخصين اللذين يرتديان اللباس الأبيض، فلهما أكثر من تفسير، ممكن أن يكون ملاكين اقتربا ليحميا الطفل، أو ممكن أن يكونا أموات يلوحان للطفل للذهاب معهم، لأن اللون الأبيض عادةً ما يرمز إلى الموت أو الأمان والطهارة، والتفسير الأبسط هو أن يكونا أبويه وعادا إليه لأخذه.

أما عن عبد النبي افندم وزوجته تفاحة، فيرمزان إلى الطبقة الفقيرة التي تعيش في الضاحية، عبد النبي كان عالم بأمور القاهرة كونها ليست المرة الأولى له، أما تفاحة فكان واضح أنها المرة الأولى لزيارتها من اندهاشها من لباس نساء المدينة ونظراتهن.

الناس، يرمزون إلى تعدد وجهات النظر المختلفة حسب الخلفية المعرفية الثقافية، نرى ذلك من خلال اختلاف آرائهم حول قضية الطفل.

“أسلوب النفي: ” لا تعايره كعادتها بكبره وصغرها”، ” لا تركب رأسها وتمتطي لسانها.

“أسلوب التكرار: ” يا رب استر، استر يا رب

“أسلوب العطف: ” ودبّت على صدرها وابيضَّ وجهها وكاد يصفر

“أسلوب الاستفهام: “صحيح البحر ده مالوش قرار؟

:أسلوب الوصف

 اهتم يوسف إدريس بالوصف والبحث عن المهمشين، واستخدام لغة جديدة، فكان رائد مدرسة أدبية تجريبية باتت تعرف باسمه وهي “المدرسة التعبيرية، فينقل لنا إدريس أحداث القصة لحظة بلحظة، راصدًا حركات كل من عبد النبي وتفاحة بدقة متناهية، وضمن تسلسل فني راقٍ، فيه لمسة درامية، وبجو مشجون بالمتعة من التجول في المكان الجديد والخوف والذعر بعد رؤيتهم للطفل، فهو يصوّر المشاهد المثيرة فيقول ” وردّت تفاحة وقد فاجئها البحر، فتاهت في ملكوته ونسيت عيون النساء…”، فنرى أن إدريس حاول أيضا أن يصوّر شخصية عبد النبي حتى يتخيلها العقل كأنها حاضرة أمامنا فكان يصف أدق التفاصيل مثل ” لكنه ذلك النوع من الطول الذي لا يبدو له عرض، فلا سمنة تبرزه، ولا أكتاف ممشوقة تنسيك رفعه، وإنما شيئان هاكعان مضمومان تتعلق عليها سترته كأنها معلقة على شماعة”، كما أنه أضاف تفاصيل شعورية توصّل للقارئ المشاعر بدقة فقال: “كان عامرًا بالنشوة”، ” هادئة كالحمل الرضيع”،” صامتة مدهوشة ذاهلة”.

والهدف من كل هذا الوصف الدقيق، هو التعبير عن مشاعره التي من خلالها يشارك القارئ بها لإدخاله في جو القصة النفسي، وكأنه أحد شخوصها. إدريس كان يجد نفسه في قلب الشعب، أو الأكثرية منه، ذلك الشعب البائس الذي ينوء بالجهل والمرض والفقر ويصبر على الظلم، جذور هذه الأكثرية كان هناك في أعماق الريف والصعيد وقاع المدينة، ففي هذا السياق نذر إدريس نفسه لاقتناص إنسانية وخصوصية هذه الأكثرية، ومحاولة نقل رسالتهم ووجعهم للقارئ بدون تجميل أو استعمال محسنات بديعية في الجمل حتى يصف الحالة وينقلها كما هي.

:أسلوب السخرية

نرى أن إدريس استعمل السخرية بمواضع قليلة منه ” وكان بعض ثالث قد أخذ الأمر على محمل الهزل، فمضى يلعق بلسانه ثوب تفاحة وبيشتها، وطربوش عبد النبي أفندي وحذائه…”، أراد إدريس هنا أن يوصل لنا فكرة نظرة أهل المدينة لأهل الضاحية، وطريقة تعاملهم معهم، فهؤلاء الناس تغاضوا ونسوا موضوع الطفل في القارب، وهمهم طريقة لباس عبد النبي وزوجته، وهدفه تأكيد المعنى الضمني للنص.

المصادر

أرخص ليالي – المعرفة (marefa.org)

(غالي شكري، مجلة العربي)http://www.3rbi.info/Article.asp?ID=115

يوسف إدريس..سيد القصة القصيرة. آب، 2011.

ياسين، م. ، عثمان، ح. عثمان، س. 2014. مشكاة الأدب. أم الفحم:مكتبة الطالب

محمد سالم عبادة، مايو، 2020. ( ليالي ” يوسف إدريس”.. ديوانه الأول). عربي 21

ليالي “يوسف إدريس” .. ديوانُه الأوَّل (arabi21.com)