فصل الخريف ثالث الفصول؛ بل إنه يجمع كل فصول العام فيه، وفيه يتساوى الليل مع النهار، ويتصالح المطر مع أشعة الشمس فيأتيان سوياً، يسبق الشتاء فيأتي دافئاً، ويحلّ بعد الربيع جالباً للخير؛ ففيه يأتي أوّل المطر، ويتميز بوقعه الساحر؛ فيكسو الكون بألوانه البديعة، إنّه فصل الخريف؛ أجمل الفصول، فمتى يحل الخريف؟ وما مميزاته؟ وما سر جماله؟
الخريف يأتي في الترتيب الثالث من الفصول، إن كنت من سكان الأرض الشماليين رأيت الخريف يأتي في الثالث والعشرين من أيلول، ورأيته يحمل أجواءه ويغادر؛ مفسحاً للشتاء مجالاً ليحل مكانه في الواحد والعشرين من كانون الأول، أمّا إن كنت تقيم في النصف الجنوبي من الكرة الأرضية فعليك في الثالث والعشرين من آذار توقّع زيارة من الخريف، ولن يترك مكانه ويرحل قبل الواحد والعشرين من حزيران.
والخريف إذا جاء جذب بسحره الجميع، وعلم بقدومه كل المحيطين به، فيخلع الشجر ثوبه الأخضر اليانع، ويستبدله بثوبٍ أصفرٍ، أو أحمرٍ، أو برتقالي، محاولاً التأقلم مع ذبول أشعة الشمس، وقلّة الغذاء، وترى بجانب أشعة الشمس التي بالكاد تدفئك غيوماً سوداء مرتفعةً تنذر بالخير، فيهطل أوّل المطر بدفءٍ يفرح القلوب، وتُعبّر الرياح بين الحين والآخر بقوةٍ وصخبٍ يدفع الأجساد ويسقط أوراق الشجر اليابسة، فتكتسي الأرض بأوراق الشجر مع حبات المطر، وكما ترى الطيور عزمت وصفّت صفوفها مستعدةً لإعلان وقت الهجرة لمكانٍ أشد دفئاً.
وللخريف سحره الخاص، فهو الفصل الأوحد الذي يكسو الأرض بحلةٍ ذهبيةٍ وألوانٍ دافئةٍ عذبةٍ، وفيه تهدأ الروح أمام جماله، ويحلو الاستمتاع بالسير في الطرقات تحت دفئه ومطره، ويفرح الفلاحون بأول بوادر الخير التي يجلبها؛ مطراً يسقي الأرض ويُنبت الزرع، وهو بداية العام للأرض، فترى كل صاحب أرض يشد همته ويعقد العزم ليحرث أرضه ويبذرها، ويحضرها لعام مفعم بالخيرات، والخريف بسحره أقصر الفصول، والوحيد الذي فيه يتساوى الليل مع النهار، ويجلب الراحة لنا، فلا يوجد أجمل من الجلوس قرب النافذة مع كوبٍ من مشروبك الساخن المفضل وأنت تراقب تساقط الأوراق، وتتأمل جمال الكون، وتسبّح خالقه، وهكذا في فصل خريف يحلّ الدفء، وتشعل النار ليلاً طلباً لدفئها في ليل الخريف البارد، وخوفاً من صقيعه المفاجئ، وتظهر المعاطف تلف الأجساد في محاولة لجلب الدفء ومقاومة البرد والمطر الذي يأتي بغفلةٍ دون أي إنذارٍ سابق ينبئ بقدومه.
وكما علمنا فالخريف يجلب الجنة والخير للأرض، فيا رب أرزقنا خير الخريف، ولا تحرمنا فيه من الدفء، وحسن المسكن، وأفضل الملبس، وأنعم علينا بخير الله كما أنعمت على خير عبادك من قبلنا
يعتبر فصل الخريف فصل تساقط أوراق الأشجار وتلوّنها بأجمل الألوان الصفراء والحمراء بعد أن تكون خضراءَ يانعة، حيث يتميّز هذا الفصل بألوانه الرائعة المميزة ومناظره الخلابة مثل مناظر الأشجار وألوان السماء وغيرها، وتتعرى الأشجار فتظهر أغصانها، ويشهد الخريف هبوب الرياح وبرودةً في الجو حيث تنخفض درجات الحراة فيه لكنها لا تعادل برد الشتاء، فالشتاء أكثر برودة، وتتساقط الأمطار الأولى التي تروي الإنسان والزرع.
يزرع الناس في الخريف المحاصيل المختلفة ويكثر عمل البيوت البلاستيكية لوقاية المزروعات من الصقيع والهواء البارد الذي يتلف المحاصيل ويدمرها وتُزرَعُ فيها النباتات المختلفة مثل السبانخ، والجزر، والبصل، والميرمية وغيرها الكثير، وتمنح الأوراق المتحللة في التربة سماداً وغنىً لها وللمزروعات، وفي الخريف أيضاً تهاجر الطيور، وتكثر الغيوم السوداء في السماء في هذا الفصل، وفيه يتساوى الليل والنهار ويبدأ في الثالث والعشرين من أيلول وينتهي في نصف تشرين ثاني، ويمتد شأنه شأن باقي الفصول لمدّة ثلاثة أشهرٍ كاملة، ويذكر أنه الفصل الواقع بين فصلي الصيف والشتاء.
على أعتاب تشرين هامت روحي ، تنشد دفء شمس خجولة ، ورّثت ألوانها للأرض والشجر قبل أن توارى خلف غيم كانون
على أعتاب تشرين يهرول الخريف ، يحط متاعه على الأرض العطشى ، التي أنهكتها شمس أب بلهيبها الحارق ، فكادت تموت عطشا !
على أعتاب تشرين ، يشد الخريف غيمةً من بعيدٍ ، يعصرها قطرةً قطرة ، يعجن تلك القطرات بالأرض ، يشكل بها أجمل عطرٍ ، بعد فرح الأرض العطشى بورود تلك القطرة ، فتقيم الأفراح بصمت صاخب يعم المكان ، تفوح العطور وتتساقط الأوراق الهرمة ، لتتعرى وتكشف النقاب عن الجسد الفتي ، الذي آن له أن يغتسل بماء السماء . وأنا أصعد السلم للسماء لأمد يدي لخيوط شمس الخريف التي طالما انتظرتها ، لتُكسني بثوبٍ ذهبيٍ رقيقٍ أنيق ، وتبلل جسدي بقطرات الندى ، وتلبسني معطفاً بلون السحاب لأعلو وأعلو ، ألوح للطيور المهاجرةِ إلى البعيد ، إلى ما وراء الأفق تلاحق الشمس التي تتوارى ذاهبةٌ إلى بلادها ، بلاد الشمس الحارقة .
Published: Oct 5, 2017
Latest Revision: Oct 5, 2017
Ourboox Unique Identifier: OB-371621
Copyright © 2017