إن في قصص الأنبياء والمرسلين تذكرة للمؤمنين وموعظة للعصاة والكافرين، حيث تمتلئ بالمعجزات والآيات التي بعثها الله سبحانه وتعالي للناس، لكي يؤمنوا به ويتركوا الكفر وعبادة الأصنام، ومن أبرز القصص القرآنية قصة موسى عليه السلام.
بعث الله سيدنا موسى لقوم فرعون ليدعوهم إلى عبادة الله الواحد الأحد، وترك ما يعبدون من دونه، وأيده الله بالمعجزات كالعصا واليد البيضاء وشق البحر، كما أرسل معه أخيه هارون ليكون دعما له وسندا.
سنحاول في موضوعنا أن نعرض لكم قصة موسى عليه السلام، بجميع مراحل حياته، والمعجزات التي بعثه الله بها، وكيف كان رد فعل قومه عليه هل صدقوه أم استمروا في الكفر والعصيان؟
تولى فرعون حكم مصر وكان ظالمًا طاغيًا يخشاه الناس، ولا يستطيع أحد عصيان أوامره، ولما رأى فرعون أن أعداد بني إسرائيل تزداد يوما بعد يوم، وأنهم أصبحوا أغنياء يمتلكون الأراضي؛ أصدر فرعون أوامره بسلب تلك الأملاك والأراضي منهم.
لم يكتف فرعون بذلك، بل أمر أن يتم قتل أي مولود ذكر يولد لبني إسرائيل، وكان ذلك بسبب سماع فرعون من حاشيته أنه هناك ذكرًا من بني إسرائيل، سيأخذ منه الحكم ويصبح حاكمًا لمصر بعده ذات يوم.
في ذلك الوقت ولد موسي عليه السلام، وخافت عليه أمه كثيرًا واحتارت أين تخفيه عن أعين فرعون وجنوده، فهم إذا رأوه سيقتلونه على الفور.
جاءتها فكرة إلهاما من الله سبحانه وتعالى، أن تصنع صندوقًا من الخشب وتضع فيه المولود، وتلقي به في البحر، وتغلبت على قلبها ووضعت صغيرها في الصندوق، وألقته في البحر وأمرت أخته أن تراقبه وتعطيها الخبر.
أراد الله سبحانه وتعالي أن يأخذ التيار صندوق موسى ليذهب به إلى شاطئ قصر فرعون، وعندما رأى الخدم الصندوق التقطوه من البحر، وأخذوه إلى قصر فرعون.
ورأت أخت موسى ما حدث وذهبت إلى أمها لتخبرها بذلك، ولحسن الحظ كانت أخته تعمل خادمة في قصر فرعون؛ فأمرتها أمها أن تذهب وتعرف ما سيحدث لأخيها.
كانت زوجة فرعون لا تلد فلما أخذ الخدم إليها الرضيع في الصندوق؛ فرحت به وطلبت من زوجها فرعون أن يتخذاه ولدًا لهم، فوافق على ذلك، وطلبت زوجة فرعون أن يأتوا بمرضعة لكي ترضع الطفل.
حزنت زوجة فرعون وكذلك فرعون لما رأيا الطفل لا يقبل الرضاعة من أي مرضعة، وأنه يبكي جوعًا، فاحتارا ماذا يفعلان له، حتى تحدثت أخت موسى الخادمة، ولا أحد يعرف أنها أخته، وقالت إنها تعرف مرضعة جيدة تصلح له.
جاءت أم موسى لترضعه، فلما رأت ابنها رفرف قلبها، وحاولت منع نفسها من البكاء، وأخذت الطفل وأرضعته، وللمفاجأة استجاب الطفل لها مما أسعد زوجة فرعون كثيرًا.
مرت الأيام وكبر موسى وأصبح شابًا ناضجًا، وكان الكل يعاملونه بأنه ابن الملك، ولكنه في قرارة نفسه يعرف أنه ليس ابنه، بل هو فتى من فتيان بني إسرائيل.
ذات يوم بينما كان موسى يمشي في المدينة، رأى شجارًا بين رجل من بني إسرائيل، ورجل من المصريين، فلما استغاث به قريبه من بني إسرائيل؛ أغاثه موسى وضرب المصري ضربة، طرحته أرضًا ومات في الحال.
خاف موسى أن يعرف فرعون وقومه بأنه قتل المصري، فلم يعود إلى القصر بل ذهب في أنحاء المدينة، حتى وجد نفس الرجل من بني إسرائيل الذي أغاثه، يتشاجر مع مصري آخر ويطلب العون من موسى.
كان موسى على وشك أن يضرب المصري حتى فاجأه المصري قائلًا: أتريد أن تقتلني كما قتلت المصري أمس، فأدرك موسى أن الناس قد علموا بما فعله، وجاء رجلا وأخبر موسى أن هناك جماعة من المصريين، علموا أنه قتل المصري؛ فاتفقوا على قتل موسى.
لم يجد موسى مفرًا سوى الهروب إلى الصحراء، وأخذ يمر على البلاد حتى قادته قدماه إلى أرض مدين، حتى نال منه التعب وأصابه الجوع الشديد، فجلس عند بئر يقوم الناس بسقاية أغنامهم منه.
رأى موسى فتاتين يقفان مع أغنامهم بعيدًا عن البئر، والناس ينتظرون حتى يقوموا بسقاية أغنامهم؛ فقام موسى من مكانه وذهب إليهم وسألهم، لماذا لا يقومان بسقاية أغنامهم كما يفعل باقي الناس؟
أجابت الفتاتان أنهما يخجلان من الدخول وسط الرجال والتزاحم معهم، من أجل سقاية أغنامهم، ويفضلان الانتظار حتى ينتهي باقي الناس، ويكون المكان فارغًا لهم، وأن أبيهم رجلا كبيرًا في السن لا يستطيع رعاية الأغنام؛ فهما يقومان برعايتهم بدلا منه.
أخذ منهم موسى الأغنام وتقدم وسط الناس، وقام بسقايتهم، فقامت الفتاتان بشكر موسى على ما فعله من أجلهم، وذهبتا إلى منزلهما.
بعد قليل جاءت إحدى الفتاتان إلى موسى وهي تنظر إلى الأرض حياءًا وخجلًا، وقالت له إن أبيها يريد مقابلته ليشكره على ما فعله مع ابنتيه، فذهب معها إلى بيت أبيها.
أخبر موسى والد الفتاتين عن قصته، وكان اسمه شعيب، فطمأنه أنه في أمان في هذه البلد وأنه بعيد عن مكان فرعون وقومه، أشارت إحدى الفتاتين على أبيها أن يقوم باستئجار موسى لرعاية الغنم، فهو رجل قوي وأمين.
قام شعيب بالعرض على موسى أن يزوجه بنته في مقابل أن يقوم برعاية الغنم لمدة 8 سنوات، وإذا كان موسى أمينًا وأكمل الرعاية 10 سنوات، فسيكون ذلك فضل منه على شعيب فوافق موسى على العرض.
أكمل موسى سنوات رعاية الغنم العشر، ثم طلب من شعيب أن يأخذ زوجته ويرحلا من البلد إلى بلد أخرى، فلبى شعيب ندائه، وأكرمه وأعطى له بعض غنمه، وودع موسى وابنته.
في طريق موسى وزوجته وصل إلى جبل الطور في سيناء؛ فأقام فيها الخيام، وذات ليلة بينما هو وزوجته نائمين في الخيمة، رأى موسى نارًا فوق الجبل، فأراد موسى أن يذهب ليأتي بشعلة نار منها؛ حتى يشعلون منها الحطب، ويتدفئون من البرد، فقال لزوجته أن تنتظر حتى يحضر النار ويأتي.
عندما وصل موسى إلى مكان النار؛ لم يجد شئ، فتعجب أشد العجب، وفجأة سمع موسى صوتا يناديه قائلا ” إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طوي – وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى – إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي”.
لم يدري موسى ماذا يفعل عند سماعه الصوت، وخاف وتسمر في مكانه لا يخرج صوتًا، حتى نادى عليه الصوت مرة أخرى، يسأله عن العصا الذي يمسكها في يده.
فأجاب موسى أنها عصاه التي يستخدمها في رعاية الغنم، ويستخدمها في أشياء أخرى أيضًا، فأمره الصوت أن يلقي بعصاه على الجبل، وبمجرد أن ألقى موسى العصا تحولت العصا إلى ثعبان يتحرك.
ارتعب موسى من ذلك المنظر، وحاول الفرار فناداه الصوت ألا يخاف، وأن يأخذ عصاه مرة أخرى، فهي لن تضره، فأمسكها موسى فعادت عصا مرة أخرى، فاندهش موسى من ذلك أشد الاندهاش.
أمره الله مرة أخرى أن يقوم بإدخال يده في جيب قميصه، ففعل ذلك فوجد يده تخرج بيضاء يظهر بياضها في الظلام الأسود، فخُيل له أنه أصيب بمرض في يده؛ فأجابه الصوت ألا يخشى شيئا؛ فهو ليس مرض بل معجزة من الله إليك.
وأمر الله موسى أن يعود إلى مصر، ويذهب ليدعو فرعون وقومه إلى الإيمان بالله، ويريهم تلك المعجزات التي وهبها الله له، أصيب قلب موسى بالخوف أن يقتله فرعون انتقامًا لقتله المصري، كما أن لسان موسى ليس فصيحًا.
فقال له الله ألا يخاف، وأنه سيرسل معه أخيه هارون؛ كي يسانده ويكون معاونًا له، حتى لا يجزع، ثم عم الصمت المكان فلما وجد موسى أن الصوت قد اختفى، عاد مسرعًا إلى زوجته وأخبرها، أنهم سيعودان إلى مصر.
Published: Feb 27, 2018
Latest Revision: Feb 27, 2018
Ourboox Unique Identifier: OB-438474
Copyright © 2018