الديك والنسر

وَقَعَ‭ ‬نِزاعٌ‭ ‬بَيْنَ ديكَيْنِ. وَكانَ مَوضوعُ ٱلخِلافِ مَنْ يَفوزُ بِبَعْضِ حَبّاتٍ مِنَ

       ٱلْقَمْحِ وَجداها في زاوِيَةِ ٱلْمَنْزِلِ. فَتَقاتَلا قِتالًا شَديدًا زَمَنًا لَيْسَ بِٱلقَصيرِ.

       وَعلا صَوْتُ ٱلْقِتالِ، حَتّى سَمِعَهُ مَنْ بِٱلْجِوارِ مِنَ ٱلنّاسِ‭ ‬وَٱلْبَهائِمِ.

5   ‭‬  وَاسْتَعْمَلَ كِلاهُما كُلَّ ما لَدَيْهِ مِنْ وَسائِلِ ٱلْقِتالِ: اَلِمْنقارِ ٱلْحادِّ وَٱلْأَجْنِحَةِ

‬       تَخْبِطُ‭ ‬ٱلْخَصْمَ،‭ ‬وَٱلْمَخالِبِ ٱلْحادّةِ.

       وَفَرَّقَ بَيْنَهُما صاحِبُ ٱلْبيتِ. وَراقَبَهُما حَتّى‭ ‬سَكَنا‭ ‬هُنَيْهَةً‭ ‬وَالتَقَطا

       أَنْفاسَهُما. إِلّا أَنَّهُما عادا لِلْقِتالِ في زاويةٍ بَعيدَةٍ مِنَ ٱلْحَديقَةِ، حالَما ابْتَعَدَ

     ‬  صاحِبُهُما‭ ‬وَغابَ‭ ‬عَنِ‭ ‬ٱلْأَنْظارِ.

ثُمَّ‭ ‬كانَتِ‭ ‬ٱلْغَلَبَةُ‭ ‬لِواحِدٍ مِنْهُما، بَعْدَ جُهْدٍ. فَأَضرَّ

‬       ٱلْقَوِيُّ مِنْهُما بِٱلضَّعيفِ ضَرَرًا بالِغًا،‭ ‬فَـقَهَرَهُ‭ ‬وَأَدْمى

‭ ‬      وَجْهَهُ،‭ ‬وَأَجْبَرَەُ‭ ‬عَلى‭ ‬ٱلِانْزِواءِ‭ ‬في‭ ‬رُكْنٍ‭ ‬مِن‭ ‬أَرْكانِ‭ ‬ٱلْمَنْزِلِ،

       بَعيدًا عَنِ ٱلْأَنْظارِ، يَشْكو ضَعْفَهُ وَأَلَمَهُ وَهَزيمَتَهُ،

‬       وَيُلَمْلِمُ‭ ‬جِراحَهُ‭.‬

15   وَصَعَدَ ٱلدّيكُ ٱلْمُنْتَصِرُ إلى سَطْحِ ٱلْمَنْزِلِ، وَأَخَذَ يَجْري مِنْ جِهَةٍ إِلى أُخْرى،

‭       ‬وَيَصيحُ صَيْحاتِ ٱلْفَرَحِ، وَيَهْتَزُّ اِهْتِزازَ‭ ‬ٱلزَّهْوِ‭ ‬وَٱلنَّصْرِ، وَيُصَفِّقُ بِجَناحَيْهِ،

       وَيَفْخَرُ بِشَجاعَتِهِ وَقُوَّتِهِ.

       وَبَيْنَما كانَ ٱلدّيكُ ٱلْمُنْتَصِرُ غارِقًا في فَخْرهِ، يَرْفَعُ ٱلصَّوْتَ مُتغَنِّيًا‭ ‬بِـبَسالَتِهِ،‭ ‬كانَ

‭ ‬      نَسْرٌ‭ ‬عَظيمٌ‭ ‬يَحومُ‭ ‬في أَعالي ٱلسَّماءِ، وَيَقْتَرِبُ كَطائِرَةٍ وَرَقِيَّةٍ، تَروحُ وَتَجيءُ بِلا

20  ‬ صَوْتٍ‭ ‬وَلا‭ ‬جَلَبَةٍ‭.‬

 كانَ ٱلنَّسْرُ يَبْحَثُ عَنْ فَريسَةٍ سَهْلَةٍ‭ ‬يَنْقَضُّ‭ ‬عَلَيْها‭ ‬بِجِسْمِهِ ٱلْكَبيرِ وَمَخالِبِهِ

       ٱلْقَوِيَّةِ ٱلْقاطِعَةِ، يَرْفَعُها إلى ٱلْأَعالي قَبْلَ أَنْ يَحُطَّ فَوْقَ ‬وَكْرهِ،‭ ‬في‭ ‬واحِدةٍ‭ ‬مِنْ

       قِمَمِ ٱلْجِبالِ ٱلْعالِيَةِ. كانَ يَكْفيهِ فَأْرٌ صَغيرٌ‭ ‬يَسُدُّ‭ ‬بِهِ‭ ‬رَمَقَهُ.‭ ‬وَلَكِنْ ها هُوَ يَنْتَظِرُ

       ‬فَريسةً كبيرَةً سَمينَةً تَكْفيهِ عِدَّةَ أَيّامٍ، هُو وَفِراخَهُ ٱلَّذينَ يَنْتَظِرونَهُ

25   جائِعينَ‭.‬

       وَلَمْ تَمُرَّ إلّا دَقائِقُ قَليلةٌ، حَتّى اِنْقَضَّ ٱلنَّسْرُ عَلى ٱلدّيكِ ٱلمْنفوشِ ٱلرّيشِ،

       لِيَرْفَعَهُ إِلَيْهِ وَيطيرَ بِهِ عالِيًا في ٱلسَّماءِ.

       هَكَذا شَعَرَ ٱلدّيكُ ٱلْمَغْرورُ بِعَجْزهِ وَحُمْقِهِ في تَفاخُرهِ، وعَلِم أَنَّ فَوْقَ ٱلْقَوِيِّ

       مَنْ هُوَ أَقْوى مِنْهُ.