by suha abu habla
Copyright © 2019
في خَيمة شَّعْرِ قَريبَةِ مِنْ قَصْرِ الباشا ”عِماد“، يَعيشُ أَبو عَرَب وَزَوْجَتُهَ وَأَوْلادُهُ، وَهُمْ مِنَ
البَدْوِ يَكْسَبونَ عَيْشَهُم مِنْ تَرْبِيَةِ الْأَغْنامِ وَيَتَنَقَّلونَ بِها مِنْ مَكانٍ إِلى اخَرَ طَلَبًا لِلْمَرْعى.

وَكانَ أبو عَرَب يُحِبُّ أَوْلادَهُ السِّتَةَ حُبًّا عَظيمًا، وَكانَ يُحِبُّ كَلْبَهُ ”ذَهَب“ كَأَحَدِ أَوْلادِهِ. وَكانَ بَيْنَ حامِد الصَّغيرِ اِبْنِ الباشا وَبَيْنَ الْكَلْبِ ”ذَهَب“ عَداوةٌ كَبيرَةٌ، نَشَأَتْ مِن كَراهَةِ الْوَلَدِ لِلْكَلْبِ
وَسَمِعَ أَبو عَرَب صُراخًا مِنْ خَيْمَتِهِ وَهُوَ عائِدٌ إِلَيْها، فَدَخَلها في عَجَلَةٍ وَهُوَ يَسْأَلُ: ”ما الْخَبَرُ؟ ” فَسَكَتَ الْجَميعُ
.وَدارَ أَبو عَرب بِنَظَرهِ عَلى الحاضِرينَ فَوَجَدَ عَدَدَهُمْ كامِلًا، لَكِنَّهُ لَمْ يَرَ ”ذَهَب“ هُناكَ
فَصاحَ في الْجَميع: ”أَيْنَ ذَهَب؟“ فَتَقَدَّمَتْ إلَيْهِ زَوْجَتُهُ وَأَخَذَتْ تَقُصُّ عَلَيْهِ حادَثَ
وَما أَنْ اَتَمَّتْ حَديثَها حَتّى صَرَخَ قائِلًا: ”أُقْسِمُ بِرَأْسِ أبي ثَلاثًا أَنَّ قاتِلَ الكَلْبِ يُقْتَلُ بِالطَّريقَةِ نَفْسِها التي قُتِلَ بَها
وَفي إِحْدى اللَّيالي خَرَجَ أَبو عَرَب مَنْ خَيْمَتِهِ، وَقَصَدَ قَصْرَ الْباشا عِماد يَحْمِلُ كَمِّيِّةً كَبيرَةً مِنَ الأَحْجارِ في جَيْبِهِ. وَلَما دَنا مِنَ السَورِ تَسَلَّقَهُ بِمَهارَةٍ وَهَبَطَ إِلى الْحَديقَةِ في خِفَّةِ الْهِرِّ. ثُمَّ تَسَلَّقَ شَجَرَةً وَجَعَلَ يُراقِبُ حُجْرَةَ الْوَلَدِ حامِد، وَكانَتِ الشَّجَرَةُ عَلى مَقْرُبَةٍ مِنَ شُبّاكِ الحُجْرَةِ
وَأَخيرًا جاءَت الأُمُّ بِابْنَها، وَحَمَلَتْهُ إِلى السّريرِ وَوَضَعَتْهُ فيهِ، ثُمَّ أَشارَتْ إِلَيْهِ أَنْ يَنامَ
وَلما أَحَسَّتِ الأُمُ بِأَنَّ وَحيدَها قَدْ نامَ، قَبَّلَتْهُ قُبْلَةً هادِئَةً وَخَرَجَتْ عَلى أَطْرافِ أَصابِعِها
وَنَظَرَ أَبو عَرَب طَويلًا إِلى الْوَلَدِ، وَهْوَ نائِمٌ يَبْتَسِمُ في هُدوءٍ كَمَلاكٍ صَغيرٍ، فَابْتَسَمَ في اضْطِرابٍ، كأَنّهُ يُجيبُ عَلى ابْتِسامَةِ الوَلَد
وَبُغْتَةً شَعَرَ كأَنَّ خِنْجَرًا يَطْعَنُهُ في قَلْبِهِ، فَهَبَطَ إِلى الأَرْضِ مُسْرِعًا، وَأَخَذَ يَرْكُضُ في الطَّريقِ عائِدًا إِلى خَيْمَتِهِ.
وَما أَنْ وَصَلَ إِلى الْخَيْمَةِ حَتّى أَسْرَعَ إِلى وَلَدهِ الذي في عُمْرِ حامِد، وَأَخَذهُ بَيْنَ ذِراعَيْهِ، وَجَعَلَ يُقبِّلُهُ بِحُبٍّ شَديدٍ وَالدُّموعُ تَجْري مِنْ عَيْنَيْهِ
Published: Nov 18, 2019
Latest Revision: Nov 18, 2019
Ourboox Unique Identifier: OB-687766
Copyright © 2019