وَجَدَ شادي سُلَحْفاةً قَديمَةً مِنَ التَّنَكِ، وَعَاى ظَهْرِها مِفْتاحٌ مَغْروزٌ لا يَتَحَرَّكُ، لا لِلْيَمينِ وَلا لِلْيَسارِ. فَقَرَّرَ أَنْ يَعْرِضَها لِجارَتِهِ وَصَديقَتِهِ لَمى الَّتي تَفْهَمُ بِالتَّصْليحاتِ أَيْضًا.
قالَتْ لَمى بِانْدِهاشٍ: “كانَتْ هذِهِ السُّلَحْفاةُ تَمْشي وَبِسُرْعَةٍ” ثُمَّ قَلَّبَتْها مِنَ الْبَطْنِ إِلى الظَّهْرِ، وَبَدَأَتْ تَفُكُّها، فَأَخَذَتِ الْبَراغي الْمُتَنَوِّعَةُ تَتَساقَطُ مِنْ داخِلِها، كذلِكَ الزُّنْبُرُكاتُ، وَالْعَجَلاتُ الْمُسَنَّنَةُ الصَّدِئَةُ.
نَظَرَتْ لَمى إِلى قِطَعِ السُّلَحْفاةِ الْمُنْتَشِرَةِ عَلى الطّاوِلَةِ، وَقالَتْ:
” هذِهِ السُّلَحْفاةُ لا يَسْتَطيعُ تَصْليحِها إلّا ياشْكا.”
2

يَسْكُنُ ياشْكا عَلى شاطِئِ الْبَحْرِ، بَعيدًا عَنِ الْمَدينَةِ. بِجانِبِ بَيْتِهِ كوخٌ خَشَبِيٌّ، أَبْوابُهُ مُقْفَلَةٌ دائِمًا، وَبُرْجُ حَمامٍ، وَساحَةٌ مَليئَةٌ بِالْخُرْدَواتِ وَقِطَعِ الْماكِناتِ الَّتي يَسْتَخْدِمُها ياشْكا لِبِناءِ أَشْياءَ يَخْتَرِعُها.
أَحْيانًا، حينَ يُحْضِرُ لَهُ النّاسُ أَشْياءَ مُهِمَّةً، يُوافِقُ عَلى تَصْليحِها.
4

” أَرْجو أَنَّهُ لَمْ يُقْفِلْ عَلى نَفْسِهِ داخِلَ الْكوخِ، كَما يَفْعَلُ أَحْيانًا” قالَتْ لَمى.
” عِنْدَها لا يَخْرُجُ، حَتّى لَوْ نادَيْناهُ؟”
تَعَجَّبَ شادي، وَقالَ: “أَتَشَوَّقُ لِأَنْ أَعْرِفَ ماذا يُوْجَدُ في الْكوخِ!”
فَرَدَّتْ لَمى: “وَأَنا أَيْضًا مُتَشَوِّقَةٌ لِأَنْ أَعْرِفَ…”
6

هذِهِ الْمَرَّةَ كان ياشْكا في بَيْتِهِ، لكِنَّهُ مَشْغولٌ. كانَ يَعْرِضُ أَمامَ النّاسِ اخْتِراعَهُ الْأَخيرَ: محْمَصَةً كَهْرَبائِيَّةً تَمْسَحُ الزُّبْدَةَ عَلى الْخُبْزِ الْمُحَمَّصِ.
8

وَعِنْدَما تَرَكَ الْمَكانَ آخِرُ الْمُهْتَمّينَ، قامَتْ لَمى، وَفَرَّغَتْ كيسَ قِطَعِ السُّلَحْفاةِ عَلى الطّاوِلَةِ.
قالَ ياشْكا: “أَنا آسِفٌ، لَقَدْ أَنْهَيْتُ عَمَلي الْيَوْمَ.”
فَرَدَّتْ لَمى قائِلَةً: “مِنْ فَضْلِكَ، لَنْ يَأْخُذَ هذا مِنْ وَقْتِكَ كَثيرًا، وَسَتَتَمَتَّعُ بِتَصْليحِهِ.”
10

لكِنَّ ياشْكا لَمْ يُجِبْ، فَقَدْ كانَ يَنْظُرُ بِاهْتِمامٍ إِلى إِحْدى الْقِطَعِ الصَّدِئَةِ.
ثُمَّ انْحَنى، وَرَفَعَ الْقِطْعَةَ، وَبَدَأَ في فَحْصِها. بَعْدَ لَحَظاتٍ صاحَ: “ياهْ! هذِهِ هِيَ الْقِطْعَةُ الَّتي أَبْحَثُ عَنْها!”
فَسَأَلَتْهُ لَمى: ” وَلِماذا تَبْحَثُ عَنْها؟ ما الْخاصُّ فيها؟”
أَجابَها ياشْكا: “إنَّ هذا بُرْغِيٌّ قَديمٌ، وَقَدْ تَوَقَّفَ إِنْتاجُهُ مُنْذُ زَمَنٍ، فَهَلْ أَسْتَطيعُ أَنْ آخُذَهُ؟
قالَ شادي: “بِالتَّأْكيدِ، وَلكِنْ لِماذا أَنْتَ بِحاجَةٍ إِلَيْهِ؟”
فَأَجابَ ياشْكا:”هذِهِ قِصَّةٌ طَويلَةٌ… تَعالا، سَأُريكُما شَيْئًا.”
12

تَبِعاهُ إِلى غُرْفَةِ الْبَيْتِ، وَهُناكَ أَخْرَجَ ياشْكا مِنْ أَحَدِ الْأَدْراجِ شالًا حَريرِيّصا أَبْيَضَ طَويلًا، وَبَدَأَ يَحْكي الْحِكايَةَ:
عِنْدَما كُنْتُ في جيلِكُما تَقْريبًا، كُنْتُ أَلْعَبُ هُنا عَلى الشّاطِئِ، مُقابِلَ الْبَيْتِ.
14

فَجْأَةً ظَهَرَتْ أَمامي ماكِنَةُ طائِرَةٍ- هكَذا كانوا يُسَمّونَ الطّائِرَةَ في الْماضي – وَهَبَطَتْ وَتَوَقَّفَتْ بِجانِبي. قَفَزَ مِنْها مَلّاحٌ جَوِّيٌّ – هكَذا كانوا يُسَمّونَ الطَّيّارَ في الْماضي – وَهُوَ يَلْبِسُ زِيًّا رَسْمِيًّا جَميلًا. طَلَبَ مِنّي بُرْغِيًّا، فَرَكَضْتُ إِلى الْبَيْتِ، وَأَحْضَرْتُ لَهُ صُنْدوقَ أَدَواتٍ، فَبَدَأَ يُصْلِحُ الْمُحَرِّكَ. عِنْدَما انْتَهى، تَسَلَّقَ الطّائِرَةَ، وَجَلَسَ في مَقْعَدِ الطَّيّارِ.
16

نادى عَلَيَّ: “تَعالَ اقْفِزْ، وَسَآخُذُكَ في نُزْهَةٍ!” بِسُرْعَةٍ، قَفَزْتُ إِلى الْمَقْعَدِ الَّذي وَراءَهُ وَقَلْبي يَخْفُقُ. تَحَرَّكَتِ الطّائِرَةُ بِبُطْءٍ، ثُمَّ ارْتَفَعَتْ وَحَلَّقَتْ فَوْقَ الْبَحْرِ.
مِنْ بَيْنِ الضَّبابِ، لَمَحْتُ جَزيرَةً صَغيرَةً جَميلَةً وَخَضْراءَ، سَواحِلُها صَفْراءُ. وَلَمَحْتُ غَديرًا يَتَدَفَّقُ عَلى طولِها.
انْخَفَضَتِ الطّائِرَةُ، وَدارَتْ حَوْلَ الْجَزيرَةِ.
وَعِنْدَما عُدْنا وَهَبَطْنا بِجانِبِ الْبَيْتِ، خَلَعَ الْمَلّاحُ الْجَوِّيُّ هذا الشّالَ، وَوَضَعَهُ عَلى كَتِفَيَّ، وَهُوَ يَهْمِسُ لي: ” لا أَحَدُ يَعْرِفُ عَنْ هذِهِ الْجَزيرَةِ، لِأَنَّها غَيْرُ مَوْجودَةٍ عَلى أَيَّةِ خارِطَةٍ. وَإذا وَصَلْتَ إِلَيْها مَرَّةً، فَسَتَكونُ لَكَ.”
بَعْدَها دَخَلَ إِلى طائِرَتِهِ، وَارْتَفَعَ وَاخْتَفى في الْأُفُقِ. وَمُنْذُ ذلِكَ الْيَوْمَ لَمْ أَرَهُ.”
18

لَفَّ ياشْكا الشّالَ حَوْلَ رَقَبَتِهِ، وَواصَلَ حَديثَهُ:
“لَمْ أَتَوَقَّفْ عَنِ الْحُلْمِ بهذِهِ الْجَزيرَةِ، وَحَتّى قَبْلَ أَنْ يَنْبُتَ شارِبي، حَلَفْتُ أَنْ لا أَحْلِقَهُ حَتّى أَجِدَ جَزيرَتي. تَعَلَّمْتُ وَحْدي عَنِ الطّائِراتِ وَالطَّيرانِ، وَبَنَيْتُ طائِرَةً، لكِنَّ شَيْئًا واحِدًا نَقَصَني لِكَيْ أُكْمِلَ بِناءَ الْمُحَرِّكِ، هُوَ هذا الْبُرْغِيُّ الصَّغيرُ!
وَالْآنَ اسْمَحوا لي، فَعِنْدي بَعْضُ التَّرْتيباتِ الَّتي يِجِبُ عَلَيَّ أَنْ أَعْمَلَها، قَبْلَ أَنْ أَخْرُجَ إِلى الطَّريقِ.”
20

انْتَظَرَ شادي وَلَمى في الْخارِجِ، وَبَعْدَ مُرورِ ساعَةٍ، خَرَجَ ياشْكا مِنَ الْبَيْتِ، مُرْتَدِيًا زِيَّ مَلّاحٍ جَوِّيٍّ.
عَلَّقَ لافِتَةً عَلى مَدْخَلِ بَيْتِهِ ( مُغْلَقٌ بِسَبَبِ عُطْلَةٍ) ثُمَّ ذَهَبَ إِلى الْكوخِ وَفَتَحَ أَبْوابَهُ.
في داخِلِ الْكوخِ، رَأى شادي وَلَمى طائِرَةً صَغيرَةً. أَسْرَعَ ياشْكا وَاقْتَرَبَ مِنْ مُحَرِّكِها.
22

” هذا هُوَ!” أَعْلَنَ ياشْكا، “كُلُّ شَيْءٍ أَصْبَحَ جاهِزًا.”
فَسَأَلَتْ لَمى: “هَلْ هذا الشَّيْءُ يَطيرُ حَقًّا؟”
أَجابَها ياشْكا بِفَخْرٍ: “طَبْعًا، وَسَتَرَيانِ حالًا.”
24

ساعَدَ شادي وَلَمى ياشْكا عَلى إِخْراجِ الطّائِرَةِ مِنَ الْكوخِ، ثُمَّ تَسَلَّقَ ياشْكا الطّائِرَةَ، وَجَلَسَ في مَقْعَدِ الطَّيّارِ.
سَأَلُهُ شادي: ” وَكَيْفَ سَنَعْرِفُ أَنَّكَ وَصَلْتَ إِلى الْجَزيرَةِ، وَأَنْتَ لا تَحْمِلُ هاتِفًا؟”
” لا تُوْجَدُ مُشْكِلَةٌ، فَأَنا سَآخُذُ مَعي حَمامَةً، وَعِنْدَما أَصِلُ إِلى الْجَزيرَةِ، سَأُرْسِلُ مَعَها رِسالَةً لَكُما.”
26

سَعَلَ الْمُحَرِِّكُ ثُمَّ ضَجَّ عالِيًا، وَارْتَجَفَتِ الطّائِرَةُ وَاهْتَزَّتْ، ثُمَّ تَحَرَّكَتْ، وَانْدَفَعَتْ وَانْتَفَضَتْ فَوْقَ-تَحْتَ، يَمينًا وَيَسارًا، إِلى أَنِ ارْتَفَعَتْ إِلى الْجَوِّ أَخيرًا. راقَبَ شادي وَلَمى الطّائِرَةَ وَهِيَ تَبْتَعِدُ، إِلى أَنِ اخْتَفَتْ وَراءَ الْأفُقِ. وَعِنْدَما غَرَبَتِ الشَّمْسُ، عادا إِلى الْبَيْتِ.
28

في صَباحِ الْيَوْمِ التّالي، أَسْرَعَ شادي وَلَمى إِلى بُرْجِ الْحَمامِ، وَلَمْ يَجِدا حَمامَةً مَعَ رِسالَةٍ. وَبَيْنَما كانا يَنْظُرانِ إِلى الْبَحْرِ، وَيُفَكِّرانِ بِما حَدَثَ لِياشْكا، سَمِعا صَوْتَ رَفْرَفَةِ جَناحَيْنِ خَلْفَهُما، وَرَأَيا حَمامَةً تَدْخُلُ إِلى بُرْجِ الْحَمامِ، وَفي رِجْلِها بِطاقَةٌ مَلْفوفَةٌ!
30

فَتَحا الْبِطاقَةَ بِحَذَرٍ، وَوَجَدا بَيْنَ طَيّاتِها بَعْضَ شَعَراتٍ رَمادِيَّةٍ، بِدونِ أَيَّةِ كَلِمَةٍ مَكْتوبَةٍ.
فَقالَ شادي: ” يُمْكِنُ أَنَّ ياشْكا قَدْ نَسِيَ أَنْ يَأْخُذَ قَلَمًا مَعَهُ.”
32

قالَتْ لَمى: “أَظُنُّ أَنَّ هذِهِ شَعَراتٌ مِنْ شارِبِهِ، فَهُوَ قالَ إِنَّهُ سَيَحْلِقُ شارِبَهُ عِنْدَما يَجِدُ الْجَزيرَةَ، وَبِهذا فَهُوَ يُخْبِرُنا أَنَّهُ وَصَلَ إِلَيْها.”
فَقالَ شادي: ” وَلكِنْ تُوْجَدُ خَمْسُ شَعَراتٍ فَقَطْ، فَرُبَّما يُريدُ أَنْ يَقولَ إنَّ الطَّريقَ طَويلَةٌ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَنْتَزِعَ شَعَراتٍ كَثيرَةً؟ أَوْ رُبَّما هَبَطَ عَلى الْمِياهِ، وَالطّائِرَةُ تَفَكَّكَتْ، وَهُوَ الْآنَ مُمْسِكٌ بِأَحَدِ أَجْزائِها، وَيَنْتَظِرُ مَنْ يُنْقِذُهُ؟”
34

“مْمْمْمْ … لا أَظُنُّ ذلِكَ،” قالَتْ لَمى، فَالْحَمامَةُ لا تَسْتَطيعُ أَنْ تَرْتَفِعَ مِلِّمِتْرًا واحِدًا إِذا كانَ شارِبُهُ كُلُّهُ مَرْبوطًا بِرْجْلِها. لَقَدْ وَصَلَ ياشْكا إِلى الْجَزيرَةِ، وَسَيَعودُ أَيْضًا، وَسَتَرى.”
مَشَيا ساكِتَيْنِ عَلى الشّاطِئِ. فَجْأَةً، لَمَحا دُخانًا أَبْيَضَ يَتَعالى مِنْ جِهَةِ التَّلَّةِ الْمَوْجودَةِ خَلْفَ الْبَيْتِ، وَشَمّا رائِحَةَ خَبيزٍ مُشَهِّيَةً.
” مِنْ هُناكَ وَصَلَتِ الْحَمامَةُ! صاحَ شادي، ” هَيّا يا لَمى!”
36

رَكَضا، وَتَسَلَّقا التَّلَةَ حَتّى وَصَلا إِلى الْقِمَّةِ، ثُمَّ نَظَرا إِلى الْأَسْفِلِ.
هُناكَ، بِجانِبِ الْغَديرِ الَّذي يَتَنَزَّهانِ بِقُرْبِهِ أَحْيانًا، رَأَيا حُطامًا مُبَعْثَرًا، كَأَنَّهُ مِنْ طائِرَةِ ياشْكا.
38

نَزَلَ شادي وَلَمى مِنَ التَّلَةِ راكِضَيْنِ، وَإِذْ بِهِما يَرَيانِ ثِيابَ ياشْكا الرَّسْمِيَّةَ مُعَلَّقَةً عَلى أَغْصانِ شَجَرَةٍ!
وَكانَتِ الثِّيابُ مُبَلَّلَةً.
40

عَلى مَسافَةٍ قَصيرَةٍ مِنَ الشَّجَرَةِ، شاهَدا شُعْلَةَ نيرانٍ صَغيرَةً، وَبِجانِبِها وَقَفَ ياشْكا، وَهُوَ يُصَفِّرُ بِسَعادَةٍ، مُرْتَدِيًا تَنّورَةً مِنْ قَشٍّ، وَبِيَدِهِ صُنّارَةٌ.
نادا: “ياشْكا” فَأَسْرَعَ ياشْكا، وَخَطَفَ ثِيابَهُ، ثُمَّ اخْتَفى بَيْنَ الشُّجَيْراتِ.
42

كَيْفَ وَصَلْتُما إِلى هُنا؟ سَأَلُهُما بِتَعَجُّبٍ.
” مَشْيًا عَلى الْأَقْدامِ” أَجابَ شادي، وَبَيْتُكَ هُناكَ، خَلْفَ التَّلَّةِ.”
نَظَرَ ياشْكا حَوْلَهُ، ثُمَّ جَلَسَ، وَأَمْسَكَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ، وَقالَ بِحُزْنٍ: ” إِذَنْ، أَنا لَسْتُ مَوْجودًا عَلى جَزيرَتي…”
44

حَكى ياشْكا لِصَديقَيْهِ ما جَرى…
” في اللَّحْظَةِ الَّتي أَقْلَعَتُ فيها بَدَأَتِ الْمَشاكِلُ؛ فَالْبوصَلَةُ تَوَقَّفَتْ، وَالْمُحَرِّكُ نَفَثَ دُخانًا أَسْوَدَ، فَلَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ أَرى مِنْ خِلالِ النَّظّاراتِ إِلّا الظَّلامَ! طِرْتُ وَطِرْتُ وَطِرْتُ، وَعِنْدَما نَزَعْتُ النَّظّاراتِ عَنْ عَيْنَيَّ، رَأَيْتُ هذا الْمَكانَ السّاحِرَ، وَكُنْتُ مُتَأَكِّدًا أَنَّها جَزيرَتي، فَهَبَطْتُ حالًا… في وَسَطِ الْغَديرِ!
46

أَوَّلُ ما أَرَدْتُ الْقِيامَ بِهِ هُوَ حَلْقُ شارِبي، لكِنَّني لَمْ أَجِدَ ماكِنَةَ الْحِلاقَةِ، فَبَدَأْتُ أَنْزَعُ الشَّعَراتِ، واحِدَةً-واحِدَةً، وَقَدْ تَوَجَّعْتُ كَثيرًا. ثُمَّ أَرَدْتُ أَنْ أُخْبِرْكُما بِأَنَّني وَصَلْتُ إِلى الْجَزيرَةِ، لكِنَّ قَلَمي لَمْ يَكْتُبْ لِأَنَّهُ كانَ مبْلولًا. وَقَدْ ظَنَنْتُ أَنَّهُ عِنْدَما تِجِدانِ الشَّعَراتِ، سَتَفْهَمانِ أَنَّني وَصَلْتُ إِلى جَزيرَتي؛ لكِنْ يَبْدو أَنَّني قَدْ أَخْطَأْتُ، فَأَنا لَمْ أَجِدْ حَتّى الْآنَ جَزيرَتي…”
48

فَقالَ شادي: “وَلكِنَّكَ بَنَيْتَ طائِرَةً بِيَدَيْكَ، وَنَجَحْتَ في التَّحْليقِ بِها، فَعَلَيْكَ أَنْ تَكونَ فَخورًا بِنَفْسِكَ.”
وَأَضافَتْ لَمى: ” وَهذا الْمَكانُ ساحِرٌ مِثْلَ جَزيرَتِكَ… وَرُبَّما أَكْثَرَ.”
“آه” قالَ ياشْكا، ” صَدَقْتُما. هَيّا لِنَنْسَ الْجَزيرَةَ، وَلْنَقُمْ بِنُزْهَةٍ في أَحْضانِ الطَّبيعَةِ!”
50

تَناوَلَ ياشْكا حَقيبَةً صَغيرَةً مِنْ بَيْنَ حُطامِ الطّائِرَةِ، وَأَخْرَجَ مِنْها بَعْضَ الْأَغْراضِ، وَقالَ: ” لَمْ أَنْجَحَ في أَنْ اصْطادَ السَّمَكَ، لِذا عَلَيْنا أَنْ نَكْتَفيَ بِأَرْغِفَةٍ ساخِنَةٍ مَعَ الْعَسَلِ.”
عَجَنَ الثَّلاثَةُ الطَّحينَ، وَخَبَزوا أَرْغِفَةً، ثُمَّ شَرِبوا شايًا حُلْوًا، وَفاجَأَهُما ياشْكا بِكيسِ مارْشْمِلو (خُدودِ الْبَنات).
52

حَلَّ الْمَساءُ، فَسارَ الثَّلاثَةُ إِلى الْبَيْتِ. وَفي الطَّريقِ، تَوَقَّفَ ياشْكا فَجْأَةً، وَقالَ: “آهٍ، كِدْتُ أَنْسى!” ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ في جَيْبِهِ، وَأَخْرَجَ بُرْغِيًّا. “لَنْ تُصَدِّقا ماذا سَتَسْتَطيعُ سُلَحْفاتُكُما أَنْ تَفْعَلَ بَعْدَ أَنْ أُعيدَ إِلَيْها الْبُرْغِيَّ.”
مَشى ياشْكا، لكِنَّهُ وَقَفَ مَرَّةً ثانِيَةً. انْحَنى، وَرَفَعَ قِطْعَةً مَعْدَنِيَّةً صَدِئَةً.
54

“مْمْمْمْ… هذِهِ يُمْكِنُ أَنْ تُفيدَني لِلْغَوّاصَةِ.”
“أَيَّةُ غَوّاصَة؟” سَأَلَ شادي وَلَمى مَعًا.
ابْتَسَمَ ياشْكا ابْتِسامَةً خَفيفَةً، وَقالَ: ” ماذا؟ أَلَمْ أُخْبِرْكُما عَنِ الْغَوّاصَةِ؟”
56

Published: Mar 3, 2018
Latest Revision: Mar 3, 2018
Ourboox Unique Identifier: OB-440553
Copyright © 2018