by soma
Artwork: سومه عبد الهادي
Copyright © 2019
…لطلاب صفي الأعزاء
لكم مني قراءة وشرح وتحليل
“قصيدة “أراكَ عَصيَّ الدَّمعِ
للشاعرأبو فراس الحمداني

أرَاكَ عَصِيَّ الدّمعِ
أرَاكَ عَصِيَّ الدّمعِ شِيمَتُكَ الصَّبْرُ، أما للهوى نهيٌ عليكَ ولا أمرُ ؟
بلى أنا مُشتاقٌ وعنديَ لوعة ٌ، ولكنَّ مثلي لا يذاعُ لهُ سرُّ
إذا الليلُ أضْواني بَسَطْتُ يَدَ الهوى وأذلَلْتُ دَمْعًا مِنْ خَلائِقِهِ الكِبْرُ
مُعَلِّلَتي بالوَصْلِ، والموتُ دونَهُ، إذا مِتُّ ظَمْآناً فَلا نَزَل القَطْرُ!
وَفَيْتُ، وفي بعضِ الوفاءِ مذلة ٌ لآنسة ٍ في الحَيِّ شيمَتُها الغَدْرُ
تُسائِلُني: “مَنْ أنتَ”؟، وَهْيَ عَليمَة ٌ وَهَلْ بِفَتًى ًمِثْلي عَلى حَالِهِ نُكْرُ؟
فقُلْتُ، كما شاءتْ، وشاءَ لها الهوى :قَتِيلُكِ! قالَتْ: أيُّهُمْ؟ فَهُمُ كُثْرُ
فَقُلْتُ لها: ” لَوْ شِئْتِ لمْ تَتَعَنَّتي، وَلَمْ تَسأَلي عَنِّي وَعِنْدَكِ بِي خُبْرُ!
فقالتْ: “لَقَدْ أزْرى بِكَ الدَّهْرُ بَعْدَنَا”! فَقُلْتُ: “مَعاذَ اللَّهِ! بَلْ أنْتِ لاِ الدَّهْرُ
أُسِرْتُ وما صَحْبِي بِعُزْلٍ، لدى الوَغَى، ولا فَرَسِي مُهْرٌ ، ولا رَبُّهُ غَمْرُ
ولكنْ إذا حُمَّ القَضاءُ على أمْرِىء ٍ فَلَيْسَ لهُ برٌّ يَقيهِ، ولا بَحْرُ
وقالَ أُصَيْحابي: “الفرارُ أوِالردى؟“ فقُلتُ: هُمَا أمرَانِ، أحلاهُما مُرّ
وَلَكِنّني أمْضِي لِمَا لا يَعِيبُني، وَحَسبُكَ مِنْ أمرَينِ خَيرُهُمَا الأسْرُ
يقولونَ لي: “بعتَ السَّلامة َ بالرَّدى “فَقُلْتُ: أمَا وَاللّه، مَا نَالَني خُسْرُ
سَيَذْكُرُني قَوْمي إذا جَدَّ جِدُّهُمْ، ” وفي اللَّيْلَة ِ الظَّلْماءِ، يُفْتَقَدُ البَدْرُ ”
وَنَحْنُ أُنَاسٌ، لا تَوَسُّطَ عِنْدَنَا، لَنَا الصّدرُ، دُونَ العالَمينَ، أوِ القَبرُ
تَهُونُ عَلَيْنَا في المَعَالي نُفُوسُنَا، وَمَنْ خَطَبَ الحَسْناءَ لَمْ يَغْلُها المَهْرُ
مناسبة القصيدة
هذه إحدى العشر الطوال لأبي فراس، وقد نظّمها في أسره لمّا بلغه أنّ الروم يمنّون عليه أن خلّوا عليه ثيابه وأنّهم قالوا ما أسرنا أحدا إلا نزعنا عنه سلاحه ما عدا أبي فراس.
فالقصيدة من أوائل الروميات، قيلت منه في حصن خرشنة قبل أن يُنقل الى القسطنطينية
وقبل أن يستبد به اليأس من الفدية والعتاب على ابن عمه سيف الدولة وقومه بني حمدان .
فارق الشاعر وطنه وأهله وأحبابه وفارق مع هذا كله والدته، ففاضت نفسه بالأسى والحزن وانتقلت هذه العواطف الجياشة الى رومياته تعبر بصدق عما يجول فى نفسه وكانت عاطفته فى هذه القصيدة وفي جميع رومياته، صادقة تدور حول الذكرى والأشواق والوحشة فى الغربة والأسر.
أسلوب أبي فراس فى هذا النص سهل يتدفق من ينبوع وجدانه بعذوبة ولين وسهولة وانسجام، وقد
تذهب به الشكوى أحيانا مذهب اللوم الشديد. وإذا خاطب أصدقاءه أسدى اليهم النصيحة وطلب منه التجمل بالصبر مع العتاب على قلة وفاء بعضهم له أحيانا
فهو في اشتياق، لوعة، غربة، عتاب، تبرير، فخر واعتزاز، ومع كل ما يساوره من نفسية ضاق بها ذرعا، إلا أنه يبرر الأسر بما يناسبه من موقف بطوليّ لا انهزامي، وهكذا استطاع أن يرسم مشاعر أسير غريب بلوحة رائعة لا نظير لها.
ألم يقل فيه العالم النحوي اللغوي ابن خالويه أبو عبدالله الحسين الذي نهض بجمع ما تيسّر له من شعر أبي فراس شارحا ومحققا بسطور تكشف عن عمق تقديره وحجم إكباره لشاعرية أبي فراس، واصفا إياه، بأنّه “صاحب الشرف السامي والحسب النامي والفضل الذائع والأدب الرائع والشجاعة المشهورة والسماحة المأثورة”
Published: Nov 16, 2019
Latest Revision: Nov 23, 2019
Ourboox Unique Identifier: OB-687247
Copyright © 2019