
:نُبذة عن قصة صباح الدم
قصة “صباح الدم” أُخِذت من المجموعة القصصية سرداب التاجوري للقاصة مريم الضاني، بحيث أننا نقرأ معاناة المتزوجات حديثًا ومعاناة الآباء والأمهات الشديدة، من خوفهم أن يكون غشاء البكارة من النوع السميك المطاطي، حيث لا تنزل معه قطرات من الدم ليلة الدخلة، مما يسبب الشك في براءة الزوجة، ويدفع ذويها إلى معاقبتها غسلًا للعار، وقد أرعبت الكثير من النساء البريئات في ليلتهن الأولى، بعد أن تم الشك من سلوكهن وهن لم يقدمن على ذنب، وأثبت الطب الشرعي على البراءة بعد فوات الأوان.
بطلة القصة امرأة، تراودها المخاوف أن تكون مثل قريبة لها، وتخشى من رد فعل الأب الذي تكن له الفتيات عادةً كل التقدير والاحترام، لما يقوم به من عناية ورعاية وحرص على التربية السليمة، وغرس بذور الأخلاق الصالحة في نفوس الأبناء والبنات على الخصوص.
:سيرة ذاتية عن القاصّة مريم الضاني
أديبة فلسطينية الجنسية، ولدت وتعلمت وعاشت في المدينة المنورة، حاصلة على بكالوريوس اللغة الإنجليزية وآدابها من كلية التربية في المدينة، تكمل دراستها الإنجليزية للتخصص في مجال الشعر الإنجليزي.
كتبت المقال، الخاطرة، الرواية، القصة القصيرة والومضة القصصية، إلا أن بوصلتها لا تحيد عن اتجاه القصة القصيرة؛ فهي الصنف الأدبي الأثير لديّها.
عملت في مجالات عدّة، من أهمها: تدريس اللغة الانجليزية، تنسيق الزهور، والأعمال الفنيّة اليدوية. أصدرت في 1428 هـ، مجموعتها القصصية الأولى (سرداب التاجوري) في دار المفردات للنشر في الرياض، وقد كان للمجموعة صدى طيّب في الساحة الأدبية؛ إذ كُتِبَ عنها أربع عشرة قراءة نقدية.
أُختيرت عضوة في لجنة تحكيم مسابقة نادي المدينة الأدبي، لإختيارها صاحبة النص المتميّز، في: القصة، القصيدة والمقال على مستوى المدينة المنورة عام 2010.
فازت بعض قصصها بالمراكز المتقدمة، منها: قصة (خادم) فازت بالمركز الأول وبجائزة نقدية في منتديات أوطان، وقصة (مارد) فازت بالمركز الثاني في منتديات أسواق المربد.
:تحليل قصة صباح الدم
العنوان:عندما نتأنى في قراءة القصة، فإننا ندخل إلى عالمها ونحاول أن نلمس الرؤية الحياتية التي هدفت الكاتبة إلى القاء الضوء عليها ومعالجة آثارها، فالعنوان (صباح الدم) والصباحات كثيرة مثل صباح الخير التي تعني التحية بين طرفين وتحمل في طياتها المحبة، وصباح الدم تعبير مجازي أُستعير للدلالة على البشر والتحية في اليوم التالي للزواج، ويحمل في طياته عذرية العروس وطهرها وحُسن تربيتها في أعرافنا وعاداتنا وتقليدنا، وصباح الدم ليس صباحا واحدًا بل هو تعبير يستعمل صبيحة اليوم التالي للعروس التي يرافق زواجها نزول الدم، فهو صباحات تتردد كما تتردد ألفاظ التحيات، تتردد بعد كل حادثة زواج ثبت للزوج عذرية زوجته، والفتاة السعيدة من لا يكون غشاء بكارتها مطاطيًا، فالتعبير يدل على فرح أهل الزوجة وتهلل أسارير وجوههم وحُسن سيرتهم ونقاء عروقهم، فالمعنى الذي تلتقي فيه عبارتا (صباح الخير) و(صباح الدم) هو الفرحة والسرور وابتهاج النفوس في الصباحات المتكررة، غير أن صباح الدم قد ينعكس سلبًا فتلك هي المصيبة الكبرى.
:تابع لتحليل قصة صباح الدم
عرض القصة:في هذه القصة كما في القصص القصيرة حدثًا واحدًا رئيسيًا، وقد لجأت القاصة إلى سرد الأحداث بلسان شخصية من شخصياتها وهي الفتاة الكبرى، مستخدمة ضمير المتكلم، وأخذت القاصّة تلقي الضوء على هذه الشخصية فتحللها تحليلًا نفسيًا متقمصة شخصية البطل.
الحدث الرئيسي في هذه القصة يتمثل في كشف أغوار نفسية فتاة ارتسمت في أعماق نفسها عقدة الخوف من ليلة الزفاف، وخشيتها ألّا يرافق زواجها نزول دم بكارتها وما يرافق ذلك من هموم تقضي مضاجع أسرتها وعلى رأسهم الأب، والهم ليس همًا بل هو هموم، هموم الفتاة، هموم الأب، وهموم الأسرة والعائلة، وهموم الزوج وأسرته وعائلته، بل هو هموم المجتمعات الشرقية قاطبة.
فالأب يخاف ألا يثبت للزوج عذرية ابنته وفي صبيحة اليوم التالي للزواج، ينتظر حكم البراءة، تصف القاصة مشاعره:”أتيت خائر القوى، جاف الحلق، زائغ النظرات. يلوح على وجهك ذلك الانكسار الحاد العميق الذي غدا جزءًا من ملامحك، وتطوّق عنقك أغلال سوداء ثقيلة لا يراها أحد سواي”.
كما تصف القاصة آثار عقدة الخوف المنغرسة في شعور العروس في صبيحة اليوم التالي لزواجها إذ تقول:”مازال قطار الزمن متوقفاً عند باب حجرتي، وأنت منهمك في تجفيف عرقك المتصبب، بينما يرتدي زوجي ثيابه بتؤدة ثم يخرج ملاءة السرير من سلة الملابس المتسخة. عندما خرج إليك سحبتُ اللحاف على جسدي المتعرق المرتعش ودفنت رأسي تحت الوسادة استسلمت لرحى اللحظة الحاسمة التي تسحقني فأتطاير في الهواء كالغبار. تفتحت كل جراحي القديمة…”، فكم من فتاة بريئة قتلت ظلمًا في مجتمعاتنا منذ القدم وإلى الآن جريمتها فقط أن لا دماء على المحرمة. ولقد عبَّرت القاصة عن ذلك على لسان البنت الكبرى:”ونمَت تلك الأمنية في نفسي بعد أن تزوجت ابنة عمي اليتيمة؛ وجهها الشاحب المذعور ووجه الطبيب الذي فحصها مسماران مغروسان في قلبي. كان الطبيب يحاول سدى أن يمتص غضبك العارم وهو يشرح لك حالتها: إنها عذراء، ولكنها من الحالات الشاذة التي لا تنزف”، وهذا منبع قلق لكل فتاة قبيل زفافها، فهي تخاف من الظلم ومن خطأ الطبيب، والأب يأتي ليطمئن على سلامة شرف ابنته، وعندما يشير له العريس بالملاءة البيضاء التي اصطبغت بلون الدم يفرح ويسير بالشارع دونما عكازة، وكأن شبابه عاد إليه من جديد، وتتابع الأحداث بوعي القاصة في خلق عنصر التشويق.
:تابع لتحليل قصة صباح الدم
الصراع:والصراع هنا بين بطل القصة مع نزعة من نزعات النفس ورغبة في تأكيد قيمة أخلاقية واجتماعية، هو صراع داخلي داخل نفسية الفتاة ويتمثل هل تستطيع أن تبيض وجه أبيها في ليلة العرس أم تفشل؟ وصراع خارجي مع أسرتها والمجتمع، تقف في وجهه عاجزة القوى يتمثل في ليلة الزفاف أيضا وتفترض أن غشاء بكارتها قد يكون مثل بكارة ابنة عمها، حينها كيف يقتنع الأب والزوج والناس من براءتها وعذريتها؟
الشخصيات في القصة:وكما هو الحال في القصة القصيرة أن هناك خاصية التركيز التي لا تحتمل أكثر من شخص واحد رئيسي أو عدد محدود جدًا من الشخصيات، والشخصيات في قصتنا، هم: الأب، بناته الأربع، الزوج، ابنة العم، الطبيب والعريس، والشخصية الرئيسة هي البنت الكبرى في القصة وعلى لسانها تجري الأحداث، وكلها تعمل متآزرة لصنع الأحداث وتحريك المواقف.
المكان:هما مكانان متداخلان، وأحدهما إطار للآخر، فالإطار هو العالم الشرقي والإسلامي خاصة كما يظهر في العنوان، أو كقول الأب للطبيب:”الدم هو الدليل الوحيد على عفة الفتاة. الله لا يبتليني أنا أبو بنات الله يستر عليها وعلينا”. وفي داخل هذا الإطار مكان آخر، وهو بيت العروس، هو العالم المصغر وفي هذا المكان يكمن مفتاح القصة.
الزمان:العنصر الزماني يرتبط ارتباطًا عضويًا بالعنصر المكاني وبالحدث، فالحدث في النهاية هو اقتران فعل بزمان، ويظهر الزمن بوضوح في صبيحة ليلة الزفاف وما يرافق هذه الليلة من حكم وأحكام.
:تابع لتحليل قصة صباح الدم
اللغة:تتخذ اللغة في القصة القصيرة شكلًا ليس كشكلها المعتاد في الأدب القصصي، ففي القصة والراوية يسعى الكاتب إلى إدهاش القارئ بتميز سرده أو تماسك حبكته، أما هذا النوع من الأدب القصصي فهو مختلف في كل شيء، حتى في غايته، فالقصة القصيرة لا ترمي إلى عرض مقطع عرضي في لحظة من الزمن ووضعه تحت مجهر السرد كما هو الحال في القصة والرواية، بل تسعى إلى توليد الدهشة في ذهن القارئ بأسرع ما يمكن اعتمادًا على تكنيكات لغوية خاصة.
تفرض المساحة الصغيرة المتاحة للقاص لغة خاصة تمتاز بالكثافة العالية، وتعني الكثافة في لغة القصة القصيرة شحن الكلمات بأكثر ما يمكن من المعاني، والتعبير عن أكثر ما يمكن من (الأفعال) بأقل ما يمكن من المفردات. وهذا لا يتأتى إلا بلغة الشعر التي اكتسبت مع توالي الخبرة الإنسانية عليها- القدرة على التكثيف الهائل للمعاني، فكثير من الأفعال يعني كثيرًا من المعاني وكثيرًا من الأحداث.
“تفتحت كل جراحي القديمة، يتدفق منها الدم حارًا لزجًا غزيرًا، أشم رائحته التي تبعث الخدر في أوصالي وتصيبني بالدوار. بقع الدم تتناسل حولي وتلطخ الجدران والأثاث والسماء البادية من الفرجة الصغيرة للنافذة. تصطخب في أغواري رؤىً متداخلة وتطل عليّ برؤوسها كالعناكب يوم أن بلغتُ وأصبحتُ” فهنا نلاحظ تزاحم الأفعال وسيادة الجمل الفعلية وخاصة الأفعال المضارعة التي تعني الحيوية والاستمرار في العذابات النفسية.
واللغة الموحية تكنيك آخر من تكنيكات القصة القصيرة يقرب لغتها من لغة الشعر، ففي النص السابق ذاته نلاحظ الكثافة المعنوية الهائلة التي حملتها الجمل السابقة “بقع الدم تتناسل حولي وتلطخ الجدران والأثاث والسماء البادية من الفرجة الصغيرة للنافذة” فهذه الحركة اختزلت الكثير من الكلام والكثير من الأفعال، وأغنت الكاتب عن العودة إلى أحداث ماضية، عندما أوحت هذه العبارة للقارئ، الشعور السلبي الذي يسري في مفاصلها.
واللغة الشعرية في بعض عبارات القصة:”وجهك المُسوَد وأنت واقف عند باب حجرتها، ممتطيًا صهوة الأماني، وسرعان ما تهوي على صخرة الكلمة، التي تنطقها الممرضة في حرج” فنحن هنا أمام لغة شعرية بالكامل بما تحوي من انزياحات وتشبيهات، ومثل هذا النوع من القصص تأخذ فيه الانزياحات الأهمية الأولى قبل الأفعال، فهذه القصة قائمة على إسناد الفعل (ممتطيًا) إلى (صهوة الأماني) وللأماني صهوة كما للحصان مثلًا، وللكلمة التي تنطقها الممرضة صخور.
وتتسم لغة الكاتبة باللغة التصويرية للأحداث كقولها:”أغمضتُ عينيّ وهربتُ إلى الزقاق القديم، أركض فيه طفلة صغيرة تطير ورائي جديلتي وكشاكش أدسّ جسدي النحيل بين أجساد الصبية وهم يلعبون، ثم يهرب أحدنا فننطلق على أثره كأسراب الطيور. كانوا يختبئون فوق الأسطح الترابية وكنت أختبئ في صندقتي المهجورة” فكأن المتلقي يتابع شريطًا سنمائيًا ويرى الأحداث تتتابع بانسياب وتلقائية دون أن يقرأها.
كما استخدمت القاصة عبارات شائعة في المفهوم الشعبي تحمل في طياتها الفصاحة، مثل:”بيّض الله وجهك يا عمي”.
المصدر: https://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=8054
الفجوات في النص:
الاسترجاع:هو العودة للزمن الماضي، وهو ما يسمى بتقنية العودة بالأحداث إلى الوراء.
“كانت شقيقاتي يصفن حالتك في صباحيّاتهن، وكيف كان أزواجهن يعطونك ملاءة السرير البيضاء الملوثة بالدم وهم يهنئونك…”
الترميز:يُظهِر النّص معلومات جزئية، على القارئ الاهتداء إلى معناها ليملأ بها الفجوة التي تركت مع احتمال أنّ مهمة ملئها قد تطول وتقصر وقد تتعسّر أو تتيسّر.
فالقصة تتمحور على فجوة الترميز للعادات والتقاليد، التخلف ومأساة عذرية العروس.
الاغراب:هوصياغة غير مألوفة للمادة الحياتية ممّا يخلق تعقيدًا ما ويجعل النّصّ أكثر إثارة.
“وأنت ترشف رشفة من العصير، أخالها تسيل في حلقك كحمم البراكين”.
وأيضًا عنوان القصة (صباح الدم) فإن العنوان يجذب القارئ لقراءة النص لأن جميع الناس معتادة على صباح الخير وليس على صباح الدم.
التناص الديني:نتاج النّص الأدبي لا يكون إلا بتراكم نصّي وثقافيّ متّصل مباشرةً أو بصورة غير مباشرة.
حينما تقول:”أي أرض ستقلّني وأي سماء ستظلني؟” فهي متأثرة بكلم وبلاغة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول عن أبي ذر:”ما أقلت الغبراء، ولا أظلت الخضراء أصدق لهجة من أبي ذر” ويسمى هذا بالتناص، وهو من نوع التناص الدين.
:الى ماذا يرمز كل من
الفتاة الكبرى:ترمز لكل فتاة شرقية مقبلة على الزواج.
الأب:رمز لكل أب ينتظر أن تكون ابنته عذراء ليلة الزفاف.
ابنة العم:ترمز إلى كل فتاة ظلمت وجار عليها المجتمع وتقاليده وجهله، وألصقت بها تهمة الزنا.
:خصائص القصة
الوحدة:وتعني أن كل شيء فيها يكون واحدًا، بمعنى أنها تشتمل على فكرة واحدة، وتتضمن حدثًا واحدًا، وشخصية رئيسية واحدة، ولها هدف واحد.
ولقد وجهت القاصّة مريم الضاني كل جهدها الإبداعي صوب هدف واحد لا تحيد عنه، وقد اتسمت هذه القصص ب(الوحدة) والمقصود فيها الوحدة في الحدث والموقف، فالوحدة تتمثل هنا في إظهار أحاسيس فتاة صبيحة ليلة الزفاف.
التكثيف والتركيز:ويقصد به التوجه مباشرة نحو الهدف من القصة مع أول كلمة فيها، وقد تمثل التكثيف في القصة في الاقتصاد في الشخصيات والزمان واللغة.
الدراما:ويقصد بها خلق الحيوية والديناميكية والحرارة في العمل، حتى ولو لم يكن هناك صراع خارجي، ولم تكن هناك غير شخصية واحدة، ولقد وفقت القاصة خلق الحركة الديناميكية في قصتها، فكنا مشدودين معها من أول كلمة إلى أخر القصة، فكانت قدرة على صنع الحبكة بنجاح وتوفير عنصر التشويق.
فالدراما هي عامل التشويق الذي يستخدمه الكاتب للفت انتباه القارئ، وهي التي تحقق المتعة الفنية له.
ولقد اعتنت القاصة بتشكيل أساس من أساسيات القصة القصيرة المتمثل بوحدة الانطباع أو ما يسمى وحدة التأثير وهذا معناه أن جميع عناصر القصة وأجزائها تعمل متآزرة بقصد إحداث الأثر الوجداني الذهني على المتلقي.
مقابلة مع القاصة مريم الضاني:
https://adengad.net/public/posts/110399
قائمة المصادر:
https://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=8054
https://montada.aklaam.net/showthread.php?t=20796
http://odaba2.blogspot.com/2012/02/blog-post_18.html
Published: Jul 30, 2022
Latest Revision: Aug 15, 2022
Ourboox Unique Identifier: OB-1361241
Copyright © 2022