بائع الأرتيك

by Marwa Assaf

Artwork: سليم خوري

This free e-book was created with
Ourboox.com

Create your own amazing e-book!
It's simple and free.

Start now

بائع الأرتيك

by

Artwork: سليم خوري

  • Joined Oct 2020
  • Published Books 2

وحدة في الأدب – نصّ “بائع الأرتيك”- سليم خوري

قبلَ أن يُقرع جرسُ الاستراحةِ – أي قبل العاشرة صباحًا بقليل- سُمعَ صوتُ بائعِ الآرتيك.

«ارتيك مع حليب ، مع شوكولاتة …».

لم يكُن انتباه الطلاب إلى صوتِهِ كانتباه منير، الذي أصغى بكُلِّيَتِهِ إلى بائع الآرتيك الذي ينادي على بضاعته بصوتٍ جميل، وبلحنٍ خاص. ويبدو أنَّ المعلِّمَ قد لاحظَ أنَّ منيرًا لا يصغي اليه.

-»أنتَ يا منير! هل أنتَ فاهم ما أقول؟ «قال المعلم نجيب بصوته الهادئ الرّزين.

​إلّا أنَّ منيرًا لم يسمع كلام المعلم .. ولم ينتبه إلى المعلم وهو يشير بإصبعه إليه.

لَكَزَ عزيز منيرًا – الجالس بجانبه – وقال هامسًا:

«منير ! انتبه! المعلم يسألك».

فقال منير بهمسٍ:

«ألا تسمع نداء بائع الأرتيك؟ لقد جاء .. إنّهُ لا يتعلم أبدًا».

فصاح المعلم: «منير! ما هذا؟

آنذاك انتبه منير إلى صوت المعلم، فحنى رأسه بعد أن اصطبغ وجهه

بحمرة الخجل.

3

تابع المعلم شرحه، وعاد التلاميذ ينتبهون إلى الدرس، إلّا أنَّ منيرًا الذي أخذ يستعيد بذاكرته ما يفعله مع بائع الآرتيك هذا، فقد كان يهرَعُ مع شلَّةٍ من الطلاب إلى بائع الآرتيك، يتجمّعون حوله ويهزأون به. ويشدّون بملابسه الرَّثةِ. أو يقلِّدونه بمشيته وهو «يعرُجُ». وكان منير أكثر الطلاب وقاحةً في ملاحقةِ هذا البائع الذي يتحمل إيلامه له بعض الوقت ريثما يبيع ما معه من حبّات الآرتيك .. ولم يُصْغِ منير مرة واحدة إلى توسُّلاتهِ.. فقد كان يقول له: «مش عيب عليك. زي ما أبوك عنده أولاد أنا كمان عندي أولاد، بدّي أعَيِشْهُم، وخلّيني أبيع وأترَزَّق..»

ولم يكن من منير عندما يقول له ذلك إلّا أن يبتدع حيلَةً أخرى ليهزأ به.

قرع جرس الاستراحة، فخرج التلاميذ من صفوفهم، وراح البعض يأكل ما معه من «سندويش» ، والبعض الآخر يتراكض إلى الباعة الذين يحملون أصنافًا متنوعة من الفواكه والكعك والحلوى ، فيشترون منهم بما معهم من نقود ، والبعض لم يفعلوا لا هذا ولا ذاك ، ولكنهم فتحوا كتبهم ، وأخذوا يستذكرون دروسهم ، ويلقون على بعضهم الأسئلة . أما منير فإنّه ركض نحو بائع الأرتيك على رأس شلّة من الطلاب، وتحلَّقوا حوله.

أخذ منير يثير النُّكتَ ويهزأ به …

4

والطلاب يتصايحون ويتضاحكون … وقسم منهم أخذ يشدُّ بثيابه الرَّثَّةِ … وقسم آخر اقترب من صندوق الآرتيك يفتحه، ويُقفله بشدَّة … والبعض يقذفه بالحصى الصغيرة … وكان واضحًا أَنَّ منيرًا هو الذي كان يجعل الطلاب يتجرّأون على مثل هذه الأعمال.

«اسمعوا يا شياطين … آرتيك على حليب، على شوكولاطة.. آرتيك! أبعدوا يا أولاد. مَن يحبُّ على حليب، على شوكولاطة.

استحوا على حالكوا! آرتيك!!» صاح بائع الآرتيك وفي صوته رنَّةٌ حزينةٌ ، وكأنَّها صادرة عن جرحٍ مؤلم جدًّا …ولم يكن من منير إلّا أن صَفَّقَ بشدَّةٍ .. فتبعه بقية الأولاد تصفيقًا وضحكًا .

وكان المدير يلاحظ هذا المنظر عن بعدٍ ، فأحسَّ في نفسه ألمًا شديدًا من جرّاء معاملة طلاب مدرسته لهذا البائع المسكين.

والمدير يود لو كان كل طلاب مدرسته مؤدبين يشعرون مع الغير ، ويمدون يد المساعدة لكل عاجز ، ولكل محتاج إلى المساعدة .. وكم من مرّةٍ عمل مع المعلمين على حَضِّ الطلاب

الطلاب على فعل الخير ومساعدة كل ذي حاجة.

5

وعندما رأى هذا المنظر، وتذكّر كل ذلك، فقد السيطرة على صوته، وصاح بصوتٍ عالٍ مملوءٍ بالشِّدَّةِ والغضب : «يا أولاد! يا منير!!».

عندما سمع المدير صوت الأولاد فزعوا وأخذوا يتراكضون من حول بائع الآرتيك.. أما منير فإنّه ركض بدون وعيٍ، ولم ينتبه إلى ما في طريقه، فاصطدم بحجرٍ.. وسقط على الارض ..فجُرِحت جبهتُه.. وسال الدم الأحمر النقي بغزارةٍ ..ولم يكن قريبًا من منير إلّا بائع الآرتيك ..وحالما رأى الدم الأحمر يتدفق من جبهة منير خاف عليه ، وقذف صندوق الآرتيك من يده ، فانفتح ، وسقطت أكثر حبات الآرتيك على الأرض.

أسرع بائع الآرتيك الأعرج.. وحمل منيرًا بين ذراعيه ..وأخذ يركض نحو غرفة الممرضة ..وتبعه المدير ليساعده ، ولكنّه أبى أن يسلِّم منيرًا لأحد .. وبق بين ذراعيه حتى وضعه أمام الممرضة التي باشرت عملها وأخذت تنظف الجرح.. وتضمّده. وبقي بائع الآرتيك واقفًا أمام منير وهو يتمتم : «مسكين .العجلة من الشيطان.. مسكين! إن شاء الله بسيطة يا نارسة ؟» قال ذلك وهو ينظر بعينين كلهما حُنُوٌّ وعطفٌ ويبدو أنه نسي صندوق الآرتيك، ولم ينتبه إلى الحبات التي سقطت منه.

6

عندما انتهت الممرضة من تضميد الجرح، نظر منير حوله فرأى بائع الآرتيك .. نظر إليه وطفرت الدموع من عينيه، وجثا على ركبتيه، ليقول له :» هل تسمح لي ؟ إنَّ لك قلبًا طيبًا كأبي.. هل تغفر لي يا عمّاه ؟!».

ووضع بائع الآرتيك يده على رأس منير، وقال له:

«سلامتك ! قوم عَ صفَّك!». قال ذلك وخرج من غرفة الممرضة، وما إن أطلَّ من الباب حتى لاحظ أنّ أكثر الطلاب يحملون حبات الآرتيك ويمتصونها بلذةٍ.. واقترب منه أحد الطلاب الكبار، وبيده الصندوق فارغًا.. وهو يقول: تفضل يا عم هذا الصندوق!» وأخرج من جيبه حفنةً من النقود وأردف: «هذا ثمن ما كان فيه من آرتيك».

تناول بائع الآرتيك الصندوق وابتسم.. ثم نظر إلى الطلاب ودمعتان تتلألآن في عينيه.

7

معاني المفردات

    آرتيك:كلمة عبريّة تعني مثلّجات

8
This free e-book was created with
Ourboox.com

Create your own amazing e-book!
It's simple and free.

Start now

Ad Remove Ads [X]
Skip to content