الفيروسات by ibrahimish - Illustrated by ibrahim - Ourboox.com
This free e-book was created with
Ourboox.com

Create your own amazing e-book!
It's simple and free.

Start now

الفيروسات

by

Artwork: ibrahim

  • Joined Jan 2020
  • Published Books 1

الفيروسات في جسم الإنسان

الفيروس (اسم لاتينيّ) هو طفيل خالص، بحجم مجهريّ, يخترق خلايا الحيوانات، النّباتات أو البكتيريا، وفقط بداخلها يمكنه البقاء والتّكاثر. غالبًا ما تعيق الفيروسات العمل السّليم للخلايا الّتي تخترقها، ويمكن أن تؤدّي إلى مرض في الكائن المضيف. الفيروس مبنيّ من حامض نوويّ وغلاف بروتينيّ، وهو دون أيّ نشاط أيضيّ خارج خلايا المضيف.

أثير الاهتمام الأوّليّ بالفيروسات إثر علاقتها بالأمراض؛ كما أنّ أصل كلمة” فيروس” هو المصطلح اللّاتينيّ(Virus ) أي سمّ. في نهاية القرن التّاسع عشر فهم الباحثون أنّ أمراضًا معيّنة، كداء الكَلَب כלבת والحمّى القلاعيّة הפה והטלפיים، تتسبّب فيها جسيمات تتصرّف كالبكتيريا، لكنّها أصغر منها بكثير.

كونه كان واضحًا أنّ هذه الجسيمات بيولوجيّة، فقد رأوا بالفيروسات صورة الحياة حاملة الجينات الأكثر بساطة. فقط في عام 1935 نجح عالِم الأحياء الدّقيقة الأمريكيّ وندل ستانلي( Wendell Stanley) في عزل فيروسات. حجم معظم الفيروسات يتراوح بين 20 حتّى 400 نانومتر( 1 نانومتر= 10-9 متر)، وأصبح من الممكن دراسة مبنى الفيروسات فقط بعد تطوير المجهر الإلكترونيّ، ذي قدرة التّكبير حتّى مليون مرّة.

في هذا الفصل نتناول بالبحث الفيروسات التّي تسبّب الأمراض لدى الإنسان- وهي فيروسات حيوانيّة، أي فيروسات تهاجم خلايا الإنسان، وخلايا الحيوانات، وتتكاثر فيها. نتعرّف على مبنى وسلوك الفيروسات، وكذا طرائق منع أو معالجة الأمراض الّتي تسبّبها.

 

2
الفيروسات by ibrahimish - Illustrated by ibrahim - Ourboox.com

مبنى الفيروس

الفيروس مبنيّ من حامض نوويّ وغلاف بروتينيّ، وفي معظم الفيروسات أيَضًا من غلاف خارجيّ دهنيّ( ترسيم ه- 1). ويعتمد تصنيف الفيروسات الحيوانيّة، إلى عائلات وأنواع، على ثلاثة مركّبات بنائيّة:

  1. نوع الحامض النّوويّ.
  2. شكل الكبسيد (الغلاف البروتينيّ).
  3. وجود غلاف دهنيّ يحيط الغلاف البروتيني.

ترسيم ه- 1: مبنى فيروس ذي غلاف خارجيّ

 

الحامض النّوويّ

كما في كلّ الكائنات الحيّة، الحامض النّوويّ للفيروس يشفّر المعلومات الوراثيّة، لإنتاج كلّ بروتيناته. المعلومات الوراثيّة، في كلّ الكائنات الحيّة، موجودة في DNA ثنائيّ الضّفيرة. في الفيروسات، المعلومات الوراثيّة مشفّرة في جزيئات DNA أو RNA، كلّ واحدة منها يمكنها أن تكون أحاديّة أو ثنائيّة الضّفيرة. بحسب نوع الحامض النّوويّ تقسم الفيروسات إلى فيروسات DNA، وفيروسات RNA.

 

الكبسيد (الغلاف البروتينيّ)

الحامض النّوويّ مغلّف داخل مبنى بروتينيّ يُسمّى الغلاف البروتيني. يتكوّن الغلاف البروتيني من وحدات بروتينيّة متطابقة، حيث يحدّد نمط ترتيبها مبنى الغلاف البروتيني.  للغلاف البروتيني ِعند  معظم الفيروسات شكل لفافة، أو جسم متعدّد الاسطح ذو 20 سطحاً ( ترسيم ه- 2). يحمي الغلاف البروتيني الحامض النّوويّ للفيروس، من تفكيكه على يد الإنزيمات. بالإضافة إلى ذلك، فهي توفّر مواقع على سطحه، تربط الفيروس بمستقبلات على سطح الخليّة المضيفة. تساعد بروتينات خاصّة في الغلاف البروتيني الفيروس على اختراق أغشية الخلايا.

في فيروسات كثيرة، يحوي الغلاف البروتيني – بالإضافة للحامض النّوويّ- أيضًا بعض الإنزيمات. هذه الإنزيمات تشارك في عمليّة تكاثر الفيروس في خليّة المضيف.

 

ترسيم ه- 2: مبنى الغلاف البروتيني لفافيّة، ومبنى ق الغلاف البروتيني متعدّدة الأسطح

 

الغلاف الدّهنيّ

تحتوي معظم الفيروسات الحيوانيّة- بالإضافة إلى الحامض النّوويّ و الغلاف البروتيني – على غلاف مبنيّ من طبقة دهنيّة مزدوجة ومن بروتينات- تشبه غشاء الخلايا الحيوانيّة (ترسيم ه- 1). في الفيروسات المغلَّفَة، يمنح الغلاف للفيروسات شكلها الخارجيّ، بينما في الفيروسات غير المغلَّفَة( فيروسات عارية)  الغلاف البروتيني هو من يمنحها شكلها.

كثير من بروتينات الغلاف الدهنيّ تحمل في قسمها المواجه للخارج سلاسل سكّريّة( ما يعني גליקופרוטאינים)، والّتي يمكن أن تشكّل مواقع ربط مع الخلايا المصابة. لفيروسات معيّنة هنالك نتوءات تبرز من الغلاف، وهي مبنيّة- غالبًا- من حزمة صغيرة من גליקופרוטאינים. גליקופרוטאינים هي الانتيجينات الأساسيّة للفيروس- المركّبات المُمَيّزة  على يد جهاز المناعة.

 

4
الفيروسات by ibrahimish - Illustrated by ibrahim - Ourboox.com

دخول الفيروس وإزالة الغلاف البروتيني

شرط  لعمليّة تكاثر الفيروسات، أن يكون الحامض النّوويّ الفيروسيّ قابلًا للتّضاعف، بمعنى، إزالة الغلاف البروتيني، وإن كان لها غلاف دهني، فأيضًا الغلاف الدهني. الفيروسات الحيوانيّة تدخل كاملة إلى الخليّة، ويتحرّر الحامض النّوويّ منها خلال الدّخول أو بعده. في فيروسات معيّنة يتمّ الدّخول وإزالة الغلاف البروتيني في آنٍ معًا، بينما في أخرى هنالك اختلاف في الزّمان والمكان. يتمّ التّمييز بين طريقتين لدخول فيروس حيوانيّ للخليّة: الأولى الابتلاع، والثّانية الاندماج بين غلاف الفيروس وغشاء الخليّة.

 

إنتاج مركّبات الفيروس

بعد أن يتحرّر الحامض النّوويّ الفيروسيّ من المباني والأغلفة، من حولها، يبدأ إنتاج مركّبات نسل  الفيروسات. كلّ أنواع الفيروسات مركّبة من حامض نوويّ وغلاف بروتيني. عمليّة إنتاجها تتضمّن ثلاث مراحل:

  • مضاعفة الجينوم الفيروسيّ.
  • نسخ الجينات الفيروسيّة.
  • إنتاج بروتينات الفيروس.

من أجل تنفيذ هذه العمليّات، تستعين الفيروسات بالإنزيمات المسؤولة عن مضاعفة الحامض النّوويّ الفيروسيّ، نسخ الحامض النّوويّ الفيروسيّ لـ mRNA ، ولترجمة mRNA  إلى بروتينات. مصدر تلك الإنزيمات الّتي تقوم بمجمل العمليّات اللّازمة لإنتاج فيروسات جديدة، يختلف من فيروس لآخر.

قسم من الفيروسات تستطيع استغلال إنزيمات الخليّة المضيفة، وتوظيفها لأهدافها ومصالحها. لكثير من الفيروسات يتطلّب إنزيمات مصدرها من الفيروس، كونها غير موجودة في الخليّة المضيفة. الإنزيمات التابعة للفيروس المطلوبة في المراحل الأولى لدورة التّكاثر تأتي إلى الخليّة في داخل الغلاف البروتيني.  وتكون موجودة- عادة- في حالة سبات، وتُفعّل فقط بعد إزالة الغلاف البروتيني. الإنزيمات التابعة للفيروس المطلوبة في المراحل الأكثر تقدّمًا، في دورة التّكاثر، تُنتَج في الخليّة المضيفة، وفق معلومات جينيّة في الحامض النّوويّ للفيروس.

تركيب مركّبات الفيروس والنّضوج

لدى كلّ الفيروسات الحيوانيّة، عندما تجهز بروتينات مبنى الفيروس، والحامض النّوويّ، فإنّها تتجمّع معًا في موقع معيّن في الخليّة، وتركّب فيروسات كاملة. موقع التّركيب في الخليّة يمكن أن يكون نواة الخليّة، السيّتوبلازما أو الجهة الدّاخليّة من غشاء الخليّة. الفيروسات المُنتَجَة ليست ناضجة. مرحلة النّضوج تؤهِّل الفيروس لأن يكون مُعديًا (مُسبِّب للمرض). في هذه المرحلة، تمرّ بروتينات الغلاف البروتيني، أو الغلاف الدّهنيّ، بمرحلة تفكُّك وتغيير تمنح الفيروس مبنى أكثر ثباتًا واستقرارًا.

6
الفيروسات by ibrahimish - Illustrated by ibrahim - Ourboox.com

خروج الفيروسات الجديدة  من الخليّة

في مرحلة تحرير النسل من الخليّة المضيفة، هنالك فروقات واضحة بين الفيروسات العارية، والفيروسات المغلَّفَة بغلاف دهني. تركيب الفيروسات العارية ونضوجها يحدثان في السّيتوبلازما أو النّواة. هذه الفيروسات تكتسب القدرة على إصابة الخلايا الأخرى بالعدوى، مباشرة مع انتهاء التّركيب والنّضوج داخل الخليّة. تحريرها من الخليّة يرافقه هدم الخليّة. تتدمّر الخليّة المضيفة، والفيروسات المتحرّرة يمكن أن تنتقل إلى خليّة أخرى.

لدى الفيروسات المغلّفة بغلاف دهني، المرحلة الأخيرة من النّضوج تتمّ خلال خروجها بشكل تبرعم من الخليّة المضيفة( ترسيم ه- 5). ترتبط الفيروسات الجديدة بمناطق في غشاء الخليّة، وتخرج من الخليّة بالتّبرعم، مغلّفةً بالغشاء. الخروج بطريقة التّبرعم لا يرافقه، بالضّرورة، هدم الخليّة المضيفة.

تتعلّق مدّة دورة التّكاثر بنوع الفيروس، ونوع الخليّة المضيفة. هكذا، مثلًا، مدّة دورة فيروس شلل الأطفال הפוליו يمكن أن تستمرّ من 6 حتّى 8 ساعات، وفيروس الزّكام השפעת 18- 36 ساعة.

8

فيروسات في حالة التّستّر( التّخفّي)

لا تمرّ كلّ الفيروسات بالتّضاعف والنّسخ، بعد دخولها إلى الخليّة. هنالك فيروسات تمرّ بمرحلة تخفّي في الخليّة المضيفة. التّخفّي هي مرحلة في دورة تكاثر فيروسات معيّنة،  يبقى فيها الجينوم الفيروسيّ، بعد دخولها إلى الخليّة، في حالة سبات. وضع كهذا من” سبات” الفيروسات، معروف بفيروسات الـ DNA المسبّبة لأمراض، مثل: فيروس الهربس، وفيروس التهاب الكبد B، وكذالك بالفيروسات القهقريّة (רטרו-וירוס) كفيروس الإيدز. الفيروسات القهقريّة تمرّ بمرحلة التّخفّي في دورة حياتها، عندما يُدخَل الـ DNA الخاصّ بها إلى كروموزوم الخليّة، يندمج معه، ويتحوّل إلى جزء من كروموزومات الخليّة المضيفة. يُسمّى الـ DNA المندمج مع كروموزوم الخليّة بروفيروس. بروفيروس يتضاعف سويّة مع كروموزومات الخليّة المضيفة، بنفس الوتيرة، وتكون تحت مراقبة وسيطرة الخليّة المضيفة. هذا الوضع يمكن أن يستمرّ لفترة قصيرة أو طويلة( حتّى لسنوات). في ظروف معيّنة- كتغييرات في الإشعاع، الحرارة، ال- pH، وفي أحيان لأسباب غير معروفة- يمكن لـ DNA الفيروس أن ينفصل عن كروموزوم الخليّة المضيفة، وينتقل إلى المرحلة الفعّالة.

في هذه المرحلة الفعّالة يتمّ إنتاج فيروسات جديدة، تتحرّر من الخليّة، وعندها ينتشر المرض. الإنسان المصاب بفيروس في مرحلة التّخفّي هو حامل الفيروس. وبما أنّه لا تنتج فيروسات جديدة، فإنّ الحامل نفسه لا يصاب بالمرض أثناء حمله للفيروس، لكنّه قادر على إصابة شخص آخر بالفيروس في حالته غير النشطة. التّخفّي هي آليّة هروب متطوّرة، تمكّن الفيروسات من التّملّص من إبادة شاملة على يد جهاز المناعة، والبقاء في الجسم بعد الإصابة، بشكل متخفٍّ إلى الأبد.

هنالك فيروسات متخفّيّة لا تدمج الـ DNA الخاصّ بها مع جينوم الخليّة. فيروسات الهربس، على سبيل المثال، الّتي تؤدّي إلى جُروح في أطراف الفم، تخترق الخلايا العصبيّة وتتحرّك على طول الأكسون، حتّى جسم الخليّة العصبيّة، وهناك تصبح متخفّية. الـ DNA الخاصّ بها يبقى في الخليّة كجزء صغير من DNA مستقلّ يُسمّى אפיזום (المشابه لبلاسميد البكتيريا). حاملو هذه الفيروسات لا يعانون من تقرُّحات في الفم. عوامل أخرى، كالحرارة المتطرّفة، الضّغط النّفسيّ وجهاز مناعة ضعيف، تؤدّي بال אפיזום للتّحرّك رجوعًا على طول الخليّة العصبيّة، والمرور بعمليّة تضاعف في خلايا الإبيتيل. في هذه المرحلة، تتجلّى وتظهر أعراض مرض الهربس. لذا، الكثيرون من حاملي الفيروس، عندما يُصابون بأيّ مرض يسبّب ارتفاعًا في درجة حرارة الجسم، تظهر لديهم تقرُّحات في زاويتي الفم. عندما يشفى الشّخص وتنخفض درجة حرارة جسمه، تعود الفيروسات إلى حالة السّبات مرّة أخرى، وتختفي التّقرّحات حتّى التّغيير القادم. عمليًّا، حمل الفيروس سيكون لمدى الحياة، طالما لا يتمّ القضاء على الفيروس المتخفّي في كلّ الخلايا الّتي يوجد فيها.

مراحل دورة التّكاثر الّتي وُصفت، مشتركة- كما ذُكر- لكلّ الفيروسات الحيوانيّة. تختلف مضاعفة ونسخ الجينوم الفيروسيّ لدى الأنواع المختلفة من الفيروسات، بالتّلاؤم وحامضها النّوويّ. من المعتاد تصنيف الفيروسات إلى سبع مجموعات، وفق شكل مضاعفة الجينوم، وطريقة بناء الـ mRNA. ولاحقًا- في هذا الفصل- سيتمّ وصف تلك المراحل في ثلاث مجموعات: فيروسات DNA ثنائيّة الضّفيرة، فيروسات RNA أحاديّة الضّفيرة وفيروسات RNA القهقريّة רטרו-וירוס.

9

لفيروسات الـ DNA هنالك مشكلة نقص يحجارة بناء، وإنزيمات المضاعفة، لبناء المادّة الوراثية  الخاصّة بها. عند الحيوانات, معظم الخلايا موجودة في مرحلة الرّاحة (مرحلة G1) من دورة الخليّة. مضاعفة الـ DNA الخلويّ تحدث عندما تتحضّر الخليّة للانقسام في مرحلة الـ- S، من دورة الخليّة، حيث توجد في الخليّة- حينها فقط- إنزيمات المضاعفة وحجارة بناء لمضاعفة الـ DNA. من أجل التّغلّب على المشكلة هنالك- عند فيروسات DNA كثيرة- آليّات مختلفة، تُشغِّل جهاز مضاعفة الـ DNA في خليّة المضيف. فيروسات الـ DNA تغيّر أيض الخليّة المضيفة، عن طريق تشغيل مسارات تُجبِر الخليّة على الدّخول في مرحلة المضاعفة( مرحلة الـ S)  من دورة حياة الخليّة.

دورة تكاثر فيروسات الـ RNA

فيروسات الـ RNA هي المخلوقات الوحيدة المعروفة- حتّى الآن- الّتي تكمن فيها المعلومات الوراثيّة في الـ RNA، وليس في الـ DNA. ضمن فيروسات الـ RNA أحاديّة الضّفيرة يُصنّف فيروس شلل الأطفال הפוליו المؤدّي إلى شلل الأطفال، الفيروسات المسبّبة لنزلات البرد وفيروس التهاب الكبد الوبائيّ A، الّذي يسبّب التهاب الكبد المُعديّ. فيروسات الـ RNA لا تستطيع الاستعانة بإنزيمات النّسخ والمضاعفة للخليّة المضيفة، كفيروسات الـ DNA. في الخليّة المضيفة لا يوجد إنزيمات ” تعرف” أن تنسخ أو تضاعف الـ RNA على قالب ضفيرة RNA. عمليّات النّسخ والمضاعفة تحدث في سيتوبلازما الخليّة المضيفة، بمساعدة إنزيمات الفيروس( ترسيم ه- 6). قسم من الإنزيمات يصل جاهزًا إلى الخليّة المضيفة، وهي ما تزال مُغلّفَة داخل الغلاف البروتيني، وتتحرّر في السّيتوبلازما مع جزيئات الـ RNA في آنٍ معًا. إنزيمات أخرى تنتج في السّيتوبلازما مباشرة بعد دخول الفيروس، وفق المعلومات الجينيّة في جزيء الـ RNA الفيروسيّ. فيروسات الـ RNA يمكنها التّكاثر بسرعة، كون الخلايا المضيفة- حتّى تلك الّتي لا تنقسم- تنتج RNA باستمرار، ولذا فهي تحتوي على تراكيز عالية من الموادّ الخام اللّازمة للفيروسات.

10

لفيروسات الـ DNA هنالك مشكلة نقص يحجارة بناء، وإنزيمات المضاعفة، لبناء المادّة الوراثية  الخاصّة بها. عند الحيوانات, معظم الخلايا موجودة في مرحلة الرّاحة (مرحلة G1) من دورة الخليّة. مضاعفة الـ DNA الخلويّ تحدث عندما تتحضّر الخليّة للانقسام في مرحلة الـ- S، من دورة الخليّة، حيث توجد في الخليّة- حينها فقط- إنزيمات المضاعفة وحجارة بناء لمضاعفة الـ DNA. من أجل التّغلّب على المشكلة هنالك- عند فيروسات DNA كثيرة- آليّات مختلفة، تُشغِّل جهاز مضاعفة الـ DNA في خليّة المضيف. فيروسات الـ DNA تغيّر أيض الخليّة المضيفة، عن طريق تشغيل مسارات تُجبِر الخليّة على الدّخول في مرحلة المضاعفة( مرحلة الـ S)  من دورة حياة الخليّة.

دورة تكاثر فيروسات الـ RNA

فيروسات الـ RNA هي المخلوقات الوحيدة المعروفة- حتّى الآن- الّتي تكمن فيها المعلومات الوراثيّة في الـ RNA، وليس في الـ DNA. ضمن فيروسات الـ RNA أحاديّة الضّفيرة يُصنّف فيروس شلل الأطفال הפוליו المؤدّي إلى شلل الأطفال، الفيروسات المسبّبة لنزلات البرد وفيروس التهاب الكبد الوبائيّ A، الّذي يسبّب التهاب الكبد المُعديّ. فيروسات الـ RNA لا تستطيع الاستعانة بإنزيمات النّسخ والمضاعفة للخليّة المضيفة، كفيروسات الـ DNA. في الخليّة المضيفة لا يوجد إنزيمات ” تعرف” أن تنسخ أو تضاعف الـ RNA على قالب ضفيرة RNA. عمليّات النّسخ والمضاعفة تحدث في سيتوبلازما الخليّة المضيفة، بمساعدة إنزيمات الفيروس( ترسيم ه- 6). قسم من الإنزيمات يصل جاهزًا إلى الخليّة المضيفة، وهي ما تزال مُغلّفَة داخل الغلاف البروتيني، وتتحرّر في السّيتوبلازما مع جزيئات الـ RNA في آنٍ معًا. إنزيمات أخرى تنتج في السّيتوبلازما مباشرة بعد دخول الفيروس، وفق المعلومات الجينيّة في جزيء الـ RNA الفيروسيّ. فيروسات الـ RNA يمكنها التّكاثر بسرعة، كون الخلايا المضيفة- حتّى تلك الّتي لا تنقسم- تنتج RNA باستمرار، ولذا فهي تحتوي على تراكيز عالية من الموادّ الخام اللّازمة للفيروسات.

11

دورة تكاثر الفيروسات القهقريّة רטרו-וירוס ( فيروس HIV)

الفيروس القهقريّ هو فيروس فيه جينوم الـ RNA يمثّل قالباً لإنتاج الـ DNA (Retro تعني” إلى الوراء”، من حيث التفاعل العكسيّ لنسخ من RNA إلى DNA). أكثر الفيروسات انتشارًا ومعرفة- من نوع الفيروسات القهقريّة- هو فيروس الـ HIV المسبّب لمرض الإيدز لدى الإنسان. HIV( Human Immunodeficiency Virus) معناه: الفيروس المسبّب للفشل المناعيّ عند الإنسان( ترسيم ه-7). دورة تكاثر فيروس الإيدز بُحثَت كثيرًا منذ إكتشاف المرض. لهذا البحث أهمّيّة كبيرة في دراسة طرائق محاربة الفيروس. ستُعرض دورة تكاثر الـ HIV كمثال للفيروسات القهقريّة.

12

فيروس الـ HIV ذو غلاف خارجيّ دهنيّ بمعظمه، يحتوي أيضًا على بروتينات وسكّريّات. يحتوي الغلاف الخارجيّ للفيروس بروتينات تُميِّز المستقبل CD4 الموجود على سطح غشاء الخليّة، في بعض خلايا الجهاز المناعيّ، بالأساس في خلايا الدّم البيضاء من فئة T مساعدة. بروتينات غلاف الفيروس مركّبة من جليكوبروتئين باسم gp41، يرتبط به جليكوبروتئين خارجيّ باسم gp120، هو البروتين الذي يُميِّز المستقبِل على غشاء الخليّة.

داخل غلاف الفيروس الدهنيّ هنالك كبسيد (غلاف بروتيني)  يحتوي على نسختين متطابقتين من الـ RNA. يحمل الفيروس معه في الكبسيد- إضافة إلى جزيئي الـ RNA- ثلاثة إنزيمات:

  • إنزيم النّسخ العكسيّ (reverse transcriptase)، المسؤول عن النّسخ العكسيّ للـ RNA إلى DNA.
  • الإنزيم إنتغراز (integrase)، الّذي يُدخل الـ DNA الفيروسيّ، بعد إنتاجه، إلى جينوم الخليّة المضيفة.
  • البروتيأز (Protease)، الّذي يعمل على تقطيع بروتينات طويلة للفيروس.

يؤدّي الـ HIV لفشل مناعيّ عن طريق تدمير الخلايا اللّيمفاويّة، من فئة T مساعدة. دورة تكاثر الفيروس في خليّة T مساعدة تنتهي بتدمير الخليّة. لفهم عمليّة تكاثر الفيروس، تابعوا الأرقام في ترسيم ه- 8.

13

الارتباط بخليّة الهدف: خلايا T -مساعدة  هي خلايا دم بيضاء في الجهاز المناعيّ( خلايا ليمفاويّة) تحمل مستقبِلات خاصّة من نوع CD4. عندما يخترق فيروس الإيدز جهاز الدم، فإنّه يُميِّز على سطح الغشاء الخارجيّ لخلايا T – المساعدة ذلك المستقبِل ويرتبط به( 1). يرتبط الفيروس بالمستقبِل بواسطة جليكوبروتئين gp120، الموجود على سطح الغلاف الخارجيّ. إثر الارتباط بالمستقبِل CD4 يحدث تغيير في مبنى الجليكوبروتئين، ويرتبط بمستقبِل آخر من نوع/ فئة CCR5( 2).

اختراق الخليّة وإزالة الكبسيد. الارتباط بالمستقبِل CCR5 يؤدّي بغلاف الفيروس والغشاء إلى الالتصاق معًا، والإندماج( 3). على إثر الإندماج تنتج فتحة في غشاء الخليّة، يتحرّر منها الكبسيد إلى داخل الخليّة. تتحرّر من الكبسيد جزيئات الـ RNA مع الإنزيمات الثّلاثة الحيويّة لمضاعفة الفيروس: إنزيم النسخ العكسي، إنتغراز  والبروتيأز) ( 4).

الاندماج بجينوم الخلية المضيفة. في فيروسات RNA من نوع الفيروسات القهقريّة، هنالك مرحلة ضروريّة في دورة التّكاثر، يندمج فيها الجينوم الفيروسيّ بجينوم الخليّة المضيفة، المبنيّة من DNA ثنائيّ الضّفيرة. كشرط لهذا الاندماج، يُنسخ جزيء الـ RNA الفيروسيّ إلى جزيء DNA ثنائيّة الضّفيرة. بواسطة الإنزيم الفيروسيّ النّسخ العكسيّ تنتج نسخة DNA لجينوم الـ RNA. ينتج الإنزيم الـ DNA وفق قالب الـ RNA، بعكس المألوف، بالنّسخ إلى الخلف( 5)، ولذا يُدعى بإنزيم النّسخ العكسي  (Transcriptase Reverse). إنزيم النسخ العكسي يُنتج- بدايةً- ضفيرة DNA على قالب الـ RNA الفيروسيّ، وبعد ذلك يفكّك الإنزيم الـ  RNA الّذي أستعمِل قالب ويبني  ضفيرة DNA مكمِّلَة.

الـ DNA الفيروسيّ الّذي نتج يدخل مع الإنزيم إنتغراز إلى نواة الخليّة( 6). يدمج الإنزيم إنتغراز  الـ DNA الفيروسيّ بـالـ DNA الجينوميّ للخليّة( 7). الـ DNA الفيروسيّ المُدمَج يُسمّى بروفيروس.

14

مرحلة التّستّر( التّخفّي). بعد إندماج بروفيروس  بجينوم الخليّة، يدخل الفيروس مرحلة تخفّي)؛ مرحلة السّبات. يمرّ ال بروفيروس  مضاعفة مع جينوم الخليّة، في كلّ مرّة تنقسم فيهاالخليّة. عدد ال بروفيروسات يأخذ بالازدياد، بينما لا تنتج فيروسات جديدة. الفيروس موجود في حالة سبات، ولا يسبّب المرض. في هذه الحالة، والّتي يمكن أن تستمرّ لسنوات، يكون الإنسان حاملًا للمرض. لا تتجلّى لديه عوارض مرض الإيدز، لكن يُمكِنُه  إصابة الآخرين بالعدوى.

نسخ ال بروفيروس. بعد مدّة، وبسبب مؤثّرات مختلفة( غير واضحة تمامًا حتّى الآن)، يبدأ ال بروفيروس بالتّكاثر داخل الخليّة. تفعيل الخليّة المصابة بالعدوى يؤدّي إلى نسخ الجينات الفيروسيّة الخاصة لل بروفيروس( 8). يتمّ النّسخ على يد إنزيم RNA بوليميراز للخليّة المضيفة، والنُّسَخ تُستخدم كـ mRNA، وكـ RNA جينوميّ للفيروسات الجديدة. يستغلّ الفيروس إنزيم النّسخ في الخليّة، لأنّه ما من آليّة نسخ ذاتيّة ومستقلّة خاصّة لدى الفيروسات. جزيئات الـ mRNA ، و RNA الجينوميّ الّتي نتجت تخرج من نواة الخليّة إلى السّيتوبلازم( 9).

التّرجمة إلى بروتينات. في السّيتوبلازم، يُترجَم الـ mRNA إلى بروتينات( 10). ترجمة الـ mRNA، الّذي يحتوي على 9 جينات بالمُجمل، تؤدّي إلى إنتاج الإنزيمات الفيروسيّة وبروتينات المبنى للفيروس. يستغلّ الفيروس آليّة ترجمة الخليّة، ويستعين بريبوزومات وإنزيمات الخلية، كون الفيروسات لا تمتلك آليّة ترجمة ذاتيّة ومستقلّة.

تركيب الفيروس. ضفيرتا الـ RNA، وإنزيمات الفيروس الّتي أُنتجت في السّيتوبلازم تتجمّع بمحاذاة غشاء الخليّة، وبروتينات المبنى تتجمّع حولها لإنتاج كبسيد (الغلاف البروتيني) للفيروس( 11).

خروج الفيروس ونضوجه. يخرج الكبسيد من الخليّة، في عمليّة التّبرعم، وتتغلّف في طريقها إلى الخارج بغلاف مصدره غشاء الخليّة المضيفة( 12). تخرج الفيروسات المُغلَّفة من الخليّة المضيفة، حيث أُنتجت فيها كفيروسات أوّليّة، ولم تكن آنذاك ناضجة أو مُعدية. البروتينات النّاتجة، خلال عمليّة تكاثر الفيروس، أطول من البروتينات اللّازمة لإنتاج الفيروسات الجديدة. عمليًّا، ينتج جزيء بروتين طويل، يحتوي على بعض البروتينات المرتبطة سويّة. تمرّ الفيروسات بعمليّة نضوج، يتمّ فيها قصّ جزيء البروتين الطّويل إلى أجزاء البروتينات الّتي تبني الفيروس. عمليّة القصّ- هذه- تتمّ على يد إنزيم بروتيأز الفيروسيّ، المشفّر بالمادّة الجينيّة الخاصّة بالفيروس. في نهاية عمليّة النّضوج تصبح الفيروسات قادرة على إصابة خلايا أخرى بالعدوى( 13).

فيروس واحد يستطيع أن ينتج حوالي 2000 فيروس إيدز داخل خليّة لمفاويّة -T مساعدة واحدة. بعد خروج الفيروسات الجديدة  تبدأ بالتّنقّل في جهاز الدّم، و”تهاجم” خلايا -T مساعدة أخرى. الخليّة الّتي تكاثرت الفيروسات داخلها، ومنها خرجت، تُهدم. هدم خلايا  -T مساعدة يقلّل عددها بشكل كبير، ويؤدّي إلى فشل في كلّ عمليّات جهاز المناعة.

في خلايا دم بيضاء مثل : מונוציטים، خلايا بلعميّة وخلايا דנדריטיים  يتضاعف الفيروس أيضًا، لكن- عادة- لا يؤدّي إلى موت الخليّة. تشكّل هذه الخلايا نوعًا من مخزن للفيروسات.

عن مرض الإيدز اقرأوا في الفصل الّذي يُعنى بالأمراض الفيروسيّة، ص ( 69-71)

15

الأمراض الفيروسيّة وعلاجها

تطوّر المرض

عندما لا تنجح أجهزة الدّفاع، داخل الجسم، في التّغلّب على الفيروسات المسبّبة للأمراض والقضاء عليها، فإنّ ذلك يؤدّي إلى تطوّر مرض. بشكل عام، نحن نُصاب بكمّيّة صغيرة جدًّا من الفيروسات الّتي تصيب عددًا صغيرًا من الخلايا في موقع الاختراق. بعد دورة تكاثر واحدة، يتحرّر الكثير من الفيروسات الجديدة، من الخلايا الأوّليّة، وهذه تصيب الخلايا المجاورة للخليّة المصابة، وهكذا ينتشر الفيروس من خليّة إلى أخرى. كثير من الفيروسات تسبّب عدوى محلّيّة فقط، الموقع الذي دخلت منه إلى جسم المضيف غالبًا. مثلًا، فيروسات نزلات البرد(rhinoviruses )- على أنواعها-  تتكاثر في خلايا الإبيتيل في مجارى التّنفّس العلويّة، وتؤدّي إلى إفرازات مخاطيّة، بكمّيّة كبيرة في التّجويف الأنفيّ. الفيروسات الّتي تتحرّر من الخلايا المصابة تهاجم كلّ خلايا البطانة المخاطيّة في الأنف، المتّجهة إلى ذات التجويف، أو تتّجه مباشرة إلى الخلايا المجاورة بواسطة قنوات بين خلويّة. أحيانًا، تبتعد فيروسات النُّزلة (נזלת) وتنتشر في البيئة القريبة من خلال التّجاويف الأنفيّة. هذا مرض غير مُحدّد، ولكنّه ما يزال مرضًا يتمركز في عضو مُحدّد، هو الأنف.

فيروسات كثيرة تنتشر- بواسطة الأوعية الدّمويّة واللّيمفايا- إلى أنسجة  وأعضاء أخرى في الجسم، وتؤدّي إلى عدوى أجهزة الجسم. المرحلة الّتي تكون فيها الفيروسات موجودة في الدّم، تمكّنها من الانتشار بشكل سريع، في جميع أنحاء الجسم.

هذه المرحلة قصيرة وتنتهي- عادة- عندما تبدأ عملية إنتاج الأجسام المضادّة للفيروسات، وعندما تُفعّل الذّراع الخلويّة للجهاز المناعيّ، والّتي تقضي على الخلايا الّتي تحمل الفيروسات. هناك فيروسات تتنقّل في مجرى الدّم داخل خلايا الدّم البيضاء: خلايا ليمفاويّة T (فيروس الإيدز)، خلايا B أو خلايا بالعة.

الفيروسات الموجودة داخل خلايا الدّم البيضاء يمكنها التّنقّل في مجرى الدّم، دون أن تتعرّف عليها الأجسام المضادّة الموجهة نحوها فتعمل على القضاء عليها. إضافة إلى ذلك، تستطيع الفيروسات الخروج من الأوعيّة الدّمويّة، والوصول إلى أعضاء مختلفة في الجسم، خاصّة الأعضاء الغنيّة بالأوعية الدّمويّة- مثل الكبد، الطّحال وعُقَد ليمفاويّة والدّماغ. من المفروض أن يكون الدّماغ محميًا بواسطة حاجز الدّم – الدّماغ. هذه آليّة تُفعّلها خلايا في جدران الأوعية الدّمويّة في الدّماغ، وهي تمنع مرور موادّ أو أجزاء من الدّم إلى الدّماغ. ومع ذلك، تهاجم فيروسات معيّنة خلايا الحاجز، وهكذا تصل إلى الدّماغ. خلايا الدّم البيضاء الّتي بإمكانها اجتياز الحاجز تُستخدَم- أحيانًا- ” حصان طروادة”، وتنقل الفيروس إلى ما بعد الحاجز.

طريقة أخرى لانتشار الفيروس هي الشبكة المتشعبة لخلايا الأعصاب في الجسم. فيروس داء الكلب، مثلًا، يصل من مكان العضّة إلى الجهاز العصبيّ المركزيّ، من خلال تنقّله عبر الأكسونات المؤدّية إليه. كذلك فيروس شلل الأطفال يمكنه الوصول إلى جهاز الأعصاب المركزيّ عبر أكسونات خلايا الأعصاب. في البداية يتكاثر الفيروس في العُقَد اللّيمفاويّة في الحلق “اللُّوَزتين”. وبعدها في خلايا إبيتيل (النّسيج الطّلائيّ) الأمعاء، وفي العُقَد اللّيمفاويّة المحلّيّة. في حالات نادرة، يَنفَذ الفيروس إلى الدّورة الدّمويّة، ويصل معها إلى الجهاز العصبيّ المركزيّ. فيروس شلل الأطفال يمكنه أن ينفَذَ إلى خلايا الأعصاب الحركيّة، الخارجة من النّخاع الشّوكيّ، ويؤدّي إلى شلل وتأخُّر في نمو الاطراف، أو الوصول إلى الدّماغ، وهناك يمكن أن يؤدّي إلى الوفاة، بسبب إصابة المراكز المسؤولة عن التّنفّس وعمل القلب.

الأعراض النّموذجيّة لمرض فيروسيّ تتجلّى فقط عندما يصل الفيروس إلى عضو الهدف ويتكاثر فيه، وذلك بعد أن يمرّ بمسار مركّب يستمرّ أيامًا معدودة، دون أن ترافقه أيّ علامات للمرض. نتيجة لهذا المسار المركّب، تمرّ فترة معيّنة منذ الإصابة بالفيروس  وحتّى ظهور علامات المرض، وهذه الفترة تُسمّى فترة الحضانة. في مرحلة الحضانة يتكاثر الفيروس ليصل إلى ما بعد الحدّ الأدنى حيث تظهر وقتئذ أعراض المرض.  كلّ فيروس له فترة حضانة مختلفة. فترة الحضانة يمكنها أن تستمر لأيّام( نزلات البرد)، لأسابيع (الحصبة חצבת، الحصبة الألمانيّة אדמת  وشلل الأطفال)، لأشهر (داء الكلب) وحتّى لسنين (الإيدز).

16

تطوّر أعراض المرض

يحدث المرض الفيروسيّ نتيجة ضرر يصيب خلايا العضو أو أعضاء الهدف. أعراض الأمراض الفيروسيّة ناتجة عن تدمير الخلايا وإلحاق الضّرر في الأداء الوظيفيّ للخلايا المصابة. إلتصاق ونفاذ الفيروسات إلى الخلايا يؤدّيان إلى حدوث تغييرات مبنوية وأيضيّة في الخلايا المصابة. بشكل عام، يتغيّر في البداية مبنى النواة وترتيب الكروماتين الّذي بداخله. بعدها تحدث تغييرات في غشاء الخلية.  نتيجة هذه التغييرات تحدث عمليّات تؤدّي- في أحيان كثيرة- إلى تدمير الخلايا وموتها. في حالة نزلة البرد تتضرّر الخلايا الطلائية لمخاط الأنف، في الإنفلونزا تتضرّر الخلايا الطّلائية لمجرى التّنفّس السّفليّ، في شلل الأطفال تُدمَّر خلايا في جهاز الأعصاب المركزيّ، وفي التهاب الكبد تُدمَّر خلايا الكبد.

السّبب الأساسيّ لتلف الخلايا يحدث إثر تدخّل الفيروس في أجهزة الخلايا الحيويّة: مضاعفة الـ DNA، نسخ الـ  RNA وأيضًا إنتاج بروتينات الخليّة. فيروسات مختلفة، مثل فيروس الجدريّ، فيروس الهربس، وفيروس شلل الأطفال تضرّ بعمليّات إنتاج الحامض النّووي والبروتينات في الخلايا المصابة. “يسيطر” حامض النّواة الفيروسيّ على تبادل الموادّ في الخليّة المضيفة. تتوقّف الخليّة عن إنتاج حامض النّواة والبروتينات الخاصّة به، وبدلًا من ذلك يوفّر الإنزيمات وموادّ البناء لإنتاج حامض النّواة للفيروس وبروتيناته؛ بل أكثر من ذلك، تقوم الخليّة بإنتاج إنزيمات خاصّة تقوم بهدم غشاء الخليّة. إثر هدم الغشاء تتحرّر الفيروسات ويصير بإمكانها إصابة خليّة مضيفة جديدة.

يمكن للفيروس أن يسبّب ضررًا بصورة غير مباشرة، من خلال ردّ فعل جهاز المناعة للكائن الحيّ المهاجَم. الكثير من الأعراض المرتبطة بالتّلوّث الفيروسيّ، مثل درجات الحرارة العالية والآلام، تكون نتيجة للمجهود الّذي يبذله الجسم للدّفاع عن نفسه من التّلوّث. الإنفلونزا مثلًا، هي مرض سببه فيروس الإنفلونزا من مجموعة فيروسات الـ RNA، الّذي يهاجم مجرى التّنفّس. يتجلّى المرض عند الإنسان من خلال درجات الحرارة العالية، آلام في الحلق، آلام في الرّأس، الزّكام، السّعال، آلام في العضلات والشّعور بالضّعف والتّعب، فقدان الشّهيّة، البلغم، الدّوار والغثيان. مصدر كلّ أعراض المرض ليس الفيروس، إنّما جهاز المناعة نفسه. ترتفّع درجة حرارة الجسم كآلية تفعّلها غدّة تحت المهاد( الهيبوتلموس) الموجودة في الدّماغ، بهدف تأخير نموّ وتطوّر الفيروس. درجة الحرارة العالية في الجسم تحسّن كفاءة عمل خلايا مناعيّة معيّنة، وتساعدها في السّيطرة على الغازي الغريب. تظهر آلام الحلق بعد عمل خلايا القتل في الجهاز المناعيّ، السّعال والزّكام يتطوّران لطرد الفضلات( فيروسات وأجزاء خلايا ميّـتة) الّتي تمّ ابتلاعها- بشكل عامّ- على يد الخلايا البلعميّة، الخلايا البالعة في الجهاز المناعيّ. آلام العضلات، العظام والمفاصل مرتبطة- هي أيضًا- بعمل الجهاز المناعيّ. مثال آخر هو الأمراض الّتي تصيب وتضرّ بخلايا الدّماغ. أعراض المرض بعد نفاذ الفيروس إلى الدّماغ، تنبع- أحيانًا- من الاستجابة الالتهابيّة الّتي تتطوّر ضدّ الفيروس. شيء بارز وخاصّ لنفس الحالات، هو أنّه نتيجة للاتهاب تنتج إنتفاخ، ويرتفع الضّغط داخل الجمجمة.

الكائن الحيّ المصاب يتعافى من عدوى الفيروس، في أغلب الأحيان، ولكنّه قد يموت أيضًا. التّعافي من المرض الفيروسيّ يكون نتيجة عمل الجهاز المناعيّ، الفطريّ والمكتسب. القدرة على التّعافي تعتمد على قدرة الأنسجة التّالفة على التّجدّد من خلال انقسامات الخلايا. يتعافى النّاس- بشكل عامّ- كلّيًّا من نزلات البرد نتيجة لقدرة تجدّد الخلايا الطلائية للقصبة الهوائيّة. هذه الخلايا الّتي تُهاجمها الفيروسات، تستطيع أن تصلّح ذاتها  بكفاءة. وبعكس ذلك، الضّرر الناجم عن فيروس شلل الأطفال للخلايا العصبيّة النّاضجة هو دائم، لأنّ هذه الخلايا لا تنقسم ولا تتبدّل.

17

مرض الإيدز

مرض الإيدز( AIDS؛Acquired Immune Deficiency Syndrome )، بالعربيّة: متلازمة نقص المناعة المكتسبة، هو أحد الأمراض الأكثر صعوبة والّتي يسبّبها فيروس. لدى الإنسان- كما رأينا- يسبّب المرضَ فيروس الـ HIV(Human Immunodeficiency Virus)، والذي يعني، الفيروس الّذي يؤدّي إلى نقص المناعة في الجسم( ترسيم ج-7)، يسبّب هذا الفيروس ضعف المناعة من خلال هدم الخلايا في الجهاز المناعيّ- خلايا لمفاوية من نوع خلايا T مساعدة.

في تاريخ 5 حزيران 1981 تبلّغ العالم باكتشاف مرض الإيدز. تقدّر منظمة الصّحّة العالميّة أنّه منذ اكتشاف المرض  هناك ما يقارب 78 مليون شخص أصيبوا به وحوالي 35 مليون شخص ماتوا منه. واليوم، وبعد مرور 35 عامًا على اكتشافه، لا يوجد تطعيم ضدّ الفيروس يمنع الإصابة به، ولا يوجد علاج ناجع لمعالجة المرض. كما يبدو، بدأ الفيروس القاتل انتشاره في المنطقة شبه الاستوائيّة في أفريقيا، في سنوات السّتّينات من القرن الماضي، ووصل إلى كافّة أنحاء العالم. حتّى اليوم هناك حوالي 37 مليون شخصًا يحملون فيروس الـ HIV، وهذا الرّقم آخذ بالازدياد، وأكثر من 6000 شخص يصابون بالمرض يوميًّا.

الإيدز هو أكثر مرض تجرى حوله الأبحاث؛ ملياردات الدّولارات استثمرت حتّى الآن في البحث، ولكن إلى الآن لم يحرز أيّ تقدّم للشّفاء من المرض. حول المرض وصعوبات إيجاد طرق لعلاجه ستقرأون في الأقسام القادمة.

18

مرحلة التلوّث الأولى

بعد دخول فيروس الإيدز إلى الجسم، يُميِّز خلايا T مساعدة الموجودة في الأنسجة الدّمويّة، ينفذ إليها ويتكاثر في داخلها. يتكاثر بسرعة، وترتفع كمّيته في الدّم. في هذه المرحلة، مرحلة التّلوّث الأولى، يبدأ جهاز المناعة بإنتاج أجسام مضادّة، وخلايا من أنواع مختلفة، لمحاربة الفيروس. حوالي 40% حتّى 90% من الّذين يصابون بمرض الإيدز تظهر عليهم أعراض الإنفلونزا في الأشهر الأولى بعد الإصابة، الشّيء الّذي يشير إلى محاولة جهاز المناعة محاربة الفيروس.

تشمل الأعراض درجة حرارة مرتفعة في الجسم، آلام في العضلات، طفح جلديّ، أوجاع في الحلق، قرحة في الفم أو في الأعضاء التّناسليّة وتضخّم في الغدد اللّيمفاويّة، خاصّة في العنق. لكن على الرّغم من الأعراض الأوّليّة للإصابة بفيروس HIV يمكن أن تكون معتدلة حيث لا نشعر بها، إلّا أنّ كمّيّة الفيروس في الدّم الجاري تكون مرتفعة، خاصّة في هذه المرحلة، ويمكن أن تصل إلى عدّة ملايين في ملّلتر دم( ترسيم ح- 1) خلايا T مساعدة تنتج بشكل سريع، ولكن فيروسات الإيدز تنفذ إلى هذه الخلايا وتدمّرها.

تنعكس عمليّة هدم خلايا T مساعدة من خلال انخفاض حادّ في كمّيّتها في الدّم. عدد خلايا الـ T مساعدة في الدّم يتغيّر بسرعة: عدد خلايا الـ T عند الإنسان السّليم حوالي 1200 خليّة للميكرولتر دم( مكرولتر= ملّم مكعّب واحد=  10-6  لتر). خلال الأشهر الأولى يهبط عدد خلايا الـ T إلى حوالي 500 خليّة للميكرولتر دم، وفي نهاية الفترة، بعد زوال أعراض الإنفلونزا، يثبت العدد على نحو 700 خليّة لميكرولتر( ترسيم ح- 1). ردّ الفعل الأوّليّ لجهاز المناعة يساعد في المحافظة على مستوى كافٍ من خلايا T مساعدة، ولكن ليس بما يكفي لمنع استمرار المرض.

19

 

مرحلة الحضانة- مرحلة حمل الفيروس

بعد أن يستقِر الفيروس داخل خلايا T مساعدة، تنتج وضعيّة توازن بين الفيروس وجهاز المناعة، ويحدث نوع من” الهدنة” تستمر مدّة 2-15 عامًا. في هذه المرحلة يكون مستوى فعّاليّة الفيروس منخفضًا جدًّا. لا يعاني المريض من أعراض المرض، لكن” الحرب” بين جهاز المناعة والفيروس مستمرّة: يستمرّ الفيروس بالتّضاعف، وفي كلّ يوم تدمّر الفيروسات خلايا T مساعدة. وبالمقابل، ينجح جهاز المناعة في إنتاج خلايا T مساعدة، بكمّيّة مشابهة لكمّيّة الخلايا المدمَّرَة.

طالما أنّ عدد خلايا T مساعدة في كلّ ميكرولتر دم يتجاوز الـ 500، فإنّ التّوازن يستمرّ، ولا تنشأ مشاكل طبّيّة. هذه المرحلة خطرة جدًّا، من حيث انتشار المرض بين السّكّان، لأنّ حاملي الفيروس لا تظهر عليهم أعراض المرض، لكنّهم من الممكن أن ينقلوا العدوى للآخرين. 

مرحلة انتشار المرض

عندما ينخفض عدد خلايا T مساعدة إلى ما دون الـ 500 ميكرولتر في الدّم، قد تتطوّر تلوّثات طفيفة(فطريات، هربس) أو أورام سرطانيّة مثل الّمفوما( سرطان الغدد اللّيميفاويّة). في هذه المرحلة، هناك مرضى يعانون من فقدان الوزن، الإسهال، التّعب، درجة حراراة عالية وتشويش في الذّاكرة.

عندما ينخفض عدد خلايا T مساعدة دون الـ 200 ميكرولتر في الدّم، لا يستطيع جهاز المناعة القيام بوظيفته، ويصل مرض الإيدز إلى ذروته( ترسيم ح- 1). في غياب أيّ آليّة للدّفاع، تنتشر في الجسم مسبّبات تلويث مختلفة، وفي نهاية المطاف تؤدّي إلى موت المريض. معظم مرضى الإيدز يموتون من أمراض كالسّرطان أو التهاب الرّئتين، ولكنّهم معرّضون للموت بسبب الإنفلونزا أيضًا.

بطيء لكنه ذكيّ

على عكس ما يُعتقد، فيروس الإيدز ليس فيروسًا عنيفًا بشكل خاصّ. الفيروسات الّتي تقتل المرضى، خلال يوم أو يومين، مثل  إيبولا, عنيفة جدًّا، ولكنّها تقتل الجسم المضيف قبل أن يتمكّن من نقل العدوى للآخرين، لذلك هي غير شائعة. بالمقابل، مرض الإيدز شائع جدًّا كونه منتشرًا أكثر بين النّاس. يكون الفيروس- معظم الوقت-  في حالة تخفّي في الخلايا المصابة بالعدوى. الإنسان المصاب يحمل الفيروس وينشره لأناس آخرين لسنوات، حتّى يبدأ الفيروس بالإضرار بجهاز المناعة لدى الشّخص نفسه.

 

20

طرق انتقال الفيروس

لا يمكن لفيروس الإيدز أن يحيا في الهواء. هو موجود في سوائل الجسم فقط. وأيضًا انتقاله من شخص لآخر يتمّ بواسطة سوائل الجسم: الدّم، سائل الحيوان المنويّ، الإفرازات الجنسيّة وحليب الأمّ. بمعنى، فقط عندما تلتقي هذه السّوائل، لدى شخص يحمل الفيروس، بسوائل إنسان معافى، يمكن أن تتمّ العدوى.

بناءً على ذلك، هنالك عدّة طرق للعدوى بالمرض:( أ). الاتّصال الجنسيّ، ( ب) استعمال حقن غير معقّمة استخدمها حاملو الفيروس، (ت ) نقل الدّم- أو أحد منتجاته- الملوّث بالفيروس، (ث ) انتقال الفيروس من الأمّ، حاملة الفيروس، إلى الجنين، خلال فترة الحمل، عند الولادة أو فترة الرّضاعة. من المهمّ التّشديد على أنّ الفيروس لا ينتقل من خلال المصافحة، العناق، القبلات، السّعال، استعمال أدوات الطّعام المشتركة، أو المرحاض المشترك، وكذلك ليس من لسعة بعوضة.

21

محاربة الفيروسات المسبّبة للأمراض

بالإمكان محاربة الأمراض الفيروسيّة بمساعدة التّطعيمات والأدوية. في أيّامنا، أفضل وسيلة لمحاربة الفيروسات المسبّبة للأمراض الّتي اخترقت الجسم، هي التّطعيمات الّتي تمنع انتشار المرض. في حال انتشر المرض يمكن معالجة الفيروسات بالأدويّة الّتي تؤثّر عليها.

التطعيمات- منع الأمراض الفيروسيّة

ردود فعل التطعيم والّتي تنشأ في الكائنات الحيّة المضيفة، والذّاكرة المناعيّة الّتي ترافقه، هي خطوط الدّفاع الأساسيّة في الجسم، ضدّ الأمراض الفيروسيّة. بُذلت جهود كبيرة، على مرّ سنوات طويلة، وما تزال، من أجل تجنيد نظام الدّفاع في الجسم، وتطوير مركّبات تطعيم تمكّن من تطعيم الكثير من النّاس، ومنع انتشار الأمراض الفيروسيّة.

ينتج جهاز المناعة لدينا أجسامًا مضادّة ضدّ بروتينات غلاف الفيروس وبذلك توقف المرض. في قسم من الأمراض تكون مسيرة المرض سريعة جدًّا، لدرجة أنّ جهاز المناعة لا يتمكّن من إنتاج أجسام مضادّة، فتحدث الوفاة. تلقّي التّطعيم مسبقًا يمكّن الجسم من إنتاج أجسام مضادّة تهاجم الفيروس، في حالة العدوى في المستقبل. هذا يعني: الطريقة هي استباق العلاج قبل” الضّربة”. معظم التّطعيمات تعمل من خلال إدخال انتيجين ضعيف، أو إدخاله مُماتًا، إلى الجسم، بغية أن يقوم جهاز المناعة بالتّعرّف عليه كانتيجين، وعلى إثر ذلك ينتج أجسامًا مضادّة ضدّه، تقضي عليه وتنتج خلايا ذاكرة خاصّة به. هذا الانتيين الضعيف لا يؤدّي- غالبًا- إلى ظهور المرض إطلاقًا، وأحيانًا تظهر فقط أعراض خفيفة، لا ترقى بضررها إلى الضّرر النّاجم عن انتشار كامل للمرض. هذا النّوع من التّطعيم يُسمّى بالتّطعيم الفعّال. يحاولون اليوم الامتناع عن تراكيب تطعيمات ترتكز على فيروسات كاملة، وبالمقابل، يحاولون تطوير تراكيب ترتكز على أجزاء صغيرة من الفيروس، لا يمكن أن تؤدّي إلى المرض في أيّ حال.

  من التطعيمات الناجحة كان القضاء على مرض الجدري في كلّ العالم، وإبادة مرض شلل الأطفال في الدّول المتقدّمة. اليوم هنالك تطعيمات ناجعة ضدّ أمراض فيروسيّة كثيرة. تُعطى التّطعيمات في زماننا للأطفال والأولاد، كجزء من البرنامج الرّوتينيّ لتطعيم السّكّان.

22

الصّعوبة في تطوير تطعيمات لفيروس الإيدز  والإنفلونزا

على الرّغم من النّجاح في منع أمراض فيروسيّة كثيرة، إلّا أنّهم لم ينجحوا- إلى الآن- في تطوير تطعيم ضدّ فيروس الإيدز والإنفلونزا. سبب ذلك أنّ فيروسي الإنفلونزا والإيدز” مُحَنَّكان”؛ إذ يغيّران باستمرار مبنى المادّة الوراثيّة، من خلال طفرات، وبذلك يُثْقِلان على جهاز المناعة. في الغلاف البروتينيّ للفيروس توجد انتيجينات يعرفها الجسم، وبإمكانه إنتاج أجسام مضادّة ضدّها. لكنّ الجينات المسؤولة عن تكوين الانيتيجينات تمرّ بطفرات في فيروس الإيدز، وتأثير الطّفرات ذات الوتيرة العالية، ما يؤدّي إلى تغيير مبنى الانتيجين. الأجسام المضادة التي أنتجها الجسم نتيجة تلقّي التّطعيم، لا تعود تعرف بروتينات غلاف الفيروس الّتي تغيّرت. فيروس الإنفلونزا، مثلًا، يغيّر شكل بروتينات الغلاف كلّ سنة تقريبًا، وبذلك تصبح مركّبات التّطعيم الّتي كانت ناجعة في سنة معيّنة، عديمة الفائدة بعد مرور سنة. نتيجة هذه التغييرات المتكرّرة لم ينجحوا، حتّى الآن، في إنتاج تطعيمات ناجعة ضدّ هذه الفيروسات.

23

العلاج الدّوائيّ للأمراض الفيروسيّة

صعوبات في تطوير أدوية ضدّ الفيروسات

بالرغم من الجهود الحثيثة المستثمرة للبحث عن موادّ مضادّة للفيروسات، والّتي يمكن استعمالها لعلاج الأمراض الفيروسيّة لدى الإنسان، إلّا أنّه يوجد عدد ضئيل من التّركيبات الملائمة.  الدّواء المثاليّ المضادّ للفيروس من المفروض أن يمنع تكاثر الفيروس، دون المساس بالخلايا المضيفة. تطوير دواء مضادّ للفيروسات ناجع وآمن هو مهمّة تحدّ صعبة جدًّا. بما أنّ الفيروسات تتكاثر داخل خلايا المضيف، وتستعمل أجهزته وأنظمته لتكاثرها، فإنّه من الصّعب إيجاد أهداف في الفيروس، يمكن إصابتها دون إصابة خليّة المضيف.

بعض الانزيمات الفيروسية المشفّرة على يد الفيروسات هي هدف للأدوية. في تطوير الأدوية يحاولون إيجاد بروتينات الفيروس التي تختلف كثيرًا في مبناها، عن البروتينات الموجودة في خلايا جسم الإنسان، وذلك من أجل التّقليل- قدر الإمكان- من الأعراض الجانبيّة. الأهداف أيضًا يجب أن تكون مشتركة لأنواع فيروسات كثيرة، أو على الأقلّ، لأنواع مختلفة من نفس العائلة، بحيث يكون للدّواء الواحد تأثير أوسع قدر الإمكان.

معظم الموادّ المضادة للفيروسات الّتي طُورّت، محدّدة، خاصّة وملائمة للإضرار بفيروس واحد أو بعض الفيروسات. على عكس المضادّات الحيويّة، لم يتمّ إيجاد مادّة ذات مجال كبير،  طويلة الأمد يمكنها المساس بالكثير من أنواع الفيروسات. فرق آخر هو طبيعة الإصابة. في حين أنّ معظم أدوية المضادّات الحيويّة تهدم البكتيريا، فإنّ الموادّ المضادّة للفيروسات تُعيق تطوّر الفيروسات.

صعوبة أخرى في تطوير أدوية ضدّ الفيروسات، على غرار تطوير التّطعيمات ضدّها، هي التّغييرات الّتي تتطوّر بسرعة لدى الفيروسات. يتغيّر مبنى الفيروس نتيجة طفرات وتغييرات جينيّه إضافية. هذه التّغييرات تمنح- في أحيان كثيرة- مقاوَمَة للأدوية، مثلما تكتسب البكتيريا مقاوَمَة ضدّ المضادّات الحيويّة. معظم الطفرات الّتي تمنح مقاومة للأدوية محدّدة، وتحدث في جينات فيروسات تشفِّر إنزيمات فيروسيّة. التّغييرات في مبنى الإنزيمات الفيروسيّة تمنع عمليّة الإعاقة الّتي تقوم بها الأدوية.

 

آليّات عمل الأدوية المضادّة لـلأمراض الفيروسيّة

في السّنوات الأخيرة تجمّعت معلومات كثيرة حول آليّات تكاثر الفيروسات الحيوانيّة بالمستوى الجزيئيّ؛ لذلك وُجدت طرق كثيرة لتطوير أدوية تمنع حدوث عمليّات خاصّة بالفيروس، دون المساس بالخليّة المضيفة. معظم الأدوية المضادّة للفيروسات، المتوفّرة في أيّامنا، هي لعلاج فيروس HIV، وقلّة منها لعلاج الهربس، التهاب الكبد B و־C وفيروس الإنفلونزا. الأدوية الّتي تمّ تطويرها تضرّ، بالأساس، بالعمليّات التّالية: أ. نفاذ الفيروس إلى الخلية المضيفة؛ ب. النّسخ العكسيّ؛ ت. خروج الفيروسات من الخليّة المصابة؛ ث. نضوج الفيروسات.

تأخير نفاذ الفيروس، للأدوية الّتي تمنع نفاذ الفيروس إلى الخليّة المضيفة أفضليّة كبيرة. إذا تمّ إعطاء الدّواء لشخص في مرحلة مبكّرة من الإصابة، فيمكن منع المرض. هذه العمليّة تُبقي المصاب نظيفًا من الفيروسات، وفي حالة الفيروسات المتخفّية، مثل HIV، والهربس، فالمصاب لا يكون حاملًا لها.

بعد نفاذ الفيروسات المتخفّية إلى الخلايا، فإنّ أيّ  تدخّل( عِلاج) يحدث فسيضرّ في قدرة الفيروسات على التّضاعف، ولكنّ الفيروسات ستكون في الخلايا، والإنسان سيحمل المرض مدى حياته. حتّى الآن تمّت المصادقة على نوعين من الأدوية الّتي تمنع دخول فيروس HIV إلى الخلايا المصابة. دواء واحد يمنع ارتباط الفيروس مع  المستقبِل CCR5، ودواء آخر يمنع اندماج الأغشيّة.

24

عرقلة الارتباط بالمستقبِل CCR5

الأدوية التي تمنع الارتباط بـ CCR5 ترسيم ح- 2، المرحلة 2) تفعل ذلك من خلال إغلاق المستقبلات. هذه الأدوية عبارة عن جزيئات صغيرة ترتبط ب  CCR5  وتؤدّي إلى تغيير مبناه بشكل يمنع البروتين السّكّريّ gp120، الموجود  في غلاف الفيروس، من الارتباط به. هذه العمليّة تمنع الـ HIV من أن يرتبط بالخلايا الحاملة للمستقبل CCR5،  وبذلك لا يستطيع الفيروس أن يدخل إلى خلايا T مساعدة، وأن يتكاثر بداخلها. MVC هو الدّواء الوحيد من هذا النوع المصادق عليه لاستعماله لمرضى الإيدز. هذا الدّواء يختلف، في ماهيّته، عن الأدوية الأخرى لعلاج HIV، كونه يصُدّ بروتينًا موجودًا بشكل طبيعيّ في خلايا الجسم(CCR5)، ولا يُعيق بروتينًا فيروسيًّا. الأفضليّة هي في القدرة الضّئيلة للفيروس على تطوير مقاومة ضدّه

 

عرقلة النّسخ العكسيّ. الأدوية الأساسيّة، اليوم، ضدّ فيروس HIV هي التي تضُرّ  في عمل الانزيم  النسخ العكسي، عبر عمليّة النّسخ العكسيّ( ترسيم ه- 8، المرحلة 5). إنزيم النّسخ العكسيّ هو إنزيم خاصّ للفيروس، ولذلك، فإنّ إلحاق الضّرر به يضرّ بالفيروس دون المساس بالخليّة المضيفة. هنالك طريقتان تؤخّران عمليّة النّسخ العكسيّ. الطّريقة الأولى تؤخّر بشكل مباشر نشاط الإنزيم. تلك المعوّقات ترتبط بشكل خاصّ بالإنزيم داخل الموقع الفعّال الّذي سترتبط به النّيوكليوتيدات، ونتيجة لذلك تعيق كلّيًّا عمليّة إنتاج الـ DNA من الـ RNA الفيروسيّ. الطريقة الثانية غير مباشرة؛ من خلال جزيئات مُشابهة لمواد الأساس المطلوبة لبناء جزيء الـ DNA. تمّ تطوير هذه الأدوية أيضًا ضدّ فيروس الهربس والتهاب الكبد B، إذ يستخدمان النّاسخ العكسيّ، في واحدة من مراحل تضاعفها.

25

عرقلة خروج الفيروسات. الدواء تميفلو טמיפלו مُعدّ لعلاج مرض الإنفلونزا ومنعه. هذا الدّواء يعرقل نشاط الإنزيم الفيروسي نيوروأمينداز، الموجود على سطح فيروس الإنفلونزا. يساعد الإنزيم في خروج الفيروسات الّتي تمّ إنتاجها في الخليّة المصابة. عرقلة نشاط الإنزيم يمنع خروج الفيروسات وانتقالها إلى خلايا أخرى، وانتشارها في الرّئتين. من المفضّل البدء بالعلاج  مباشرة عند ظهور أعراض الإنفلونزا.

عرقلة نضوج الفيروسات. يمكن عرقلة نضوج فيروس الـ HIV بمساعدة أدوية تعرقل نشاط الإنزيم الفيروسيّ بروتيأز ( ترسيم ج- 8، المرحلة 13). تمّ تخطيط وإنتاج هذه الأدوية بشكل يلائم تمامًا الموقع الفعّال للإنزيم، ترتبط به، وتعرقل نشاطه السّليم، وبذلك تمنع نضوجه بشكل نهائيّ، وتمنع إنتاج فيروسات بمقدورها مهاجمة الخلايا الأخرى. من بين الأدوية الّتي تمّ تطويرها، مُعيقات البروتيأز هي الأكثر نجاعة كوسيلة لعلاج مرضى الإيدز، وهي المركّب الأكثر فائدة في الخليط العلاجيّ المعطى اليوم. مُعيقات البروتيأز هي الّتي أحدثت ثورة في القدرة على العلاج، وجعل المرض مزمنًا.

26

خليط الأدوية لعلاج الإيدز

العالم حبس أنفاسه

حبس العالم أنفاسه عندما أعلن نجم الـ  NBA ماجيك جونسون، بتاريخ 7.11.1991 أنّه يحمل فيروس الإيدز. ” أسعد الله مساءكم”، افتتح أقواله في ختام ساعات عاصفة ومليئة بالتقارير المتناقضة والخاطئة. ” بسبب فيروس الـ HIV الّذي تمّ تشخيصه عندي، يجب أن أخرج إلى التّقاعد اليوم، وأترك الفريق. أوّلًا بودّي أن أوضّح فقط أنّني لست مريضًا بمرض الإيدز. أنا أعرف أنّ الكثيرين منكم يريدون معرفة ذلك. عندي فيروس الـ HIV. زوجتي بتمام الصّحّة. فحوصاتها سلبيّة، لذلك لا توجد لديها أيّ مشاكل”. وأكّد:” أنا أخطّط للعيش مدّة طويلة، لأضايقكم مثلما فعلت دائمًا. سنتقابل”.

بفضل جونسون لم يعد ذلك المرض مرض مثليّي الجنس والمدمنين على المخدّرات. حاليًا، بعد مرور 35 عامًا على اكتشاف الفيروس، ومرور 25 عامًا على ذلك الإعلان الدّراميّ، يتّضح أنّه يمكن العيش سنوات طويلة مع الإيدز.

لم يكن عام 1996 مجرّد عام عودة ماجيك للزّيّ الذّهبيّ- اللّيلكيّ؛ كان العام الّذي صار فيه خليط علاج مرض الإيدز نجاحًا مثبتًا. واظب جونسون على العلاج، التّدريبات والتّغذية السّليمة، وفي سنة 2003 أخبرت زوجته العالم أنّ المرض انتهى. لكن اتّضّح لاحقًا أنّ زوجته أعطت تشخيصًا خاطئًا. فعلًا، وجد الأطّباء أنّه لم تبق آثار للفيروس، في جهاز الدّم عند ماجيك، ولكن عمليًّا، مازال يعيش مع الفيروس، وما يزال يتلقّى العلاج الدّوائيّ. النّقطة المركزيّة هي أنّ ماجيك مازال حيًّا، ويمثّل آلة إيضاح متنقّلة، يستعين بها كثيرون، وصار مثالًا يُحتذى به. ماجيك هو مثال الإنسان الذي يؤكّد أنّه يمكن العيش مع الفيروس.

  • ما هو العلاج الدّوائي الّذي يتلقّاه ماجيك؟
  • هل يستطيع ماجيك أن يُشفى من المرض؟

على الرغم من الأدوية الموجودة، إلّا أنّه لا يمكن الشّفاء من مرض الإيدز، بسبب اختباء فيروسات الـ HIV في الخلايا المُهاجَمَة. في اللّحظة الّتي ينجح فيها الفيروس في إدخال حامضه النّوويّ إلى الخليّة المضيفة، يمكنه أن يبقى في حالة سبات مدّة طويلة. الطريقة الوحيدة للشِفاء من المرض هي القضاء على كافّة الخلايا الّتي توجد فيها الفيروسات. لكنّ الحديث- هنا- عن مهمّة غير ممكنة، بسبب كمّيّة تلك الخلايا، وبسبب انعدام طريقة يمكن أن تكشف عن الخلايا الّتي فيها فيروسات نائمة.

يضع الفيروس تحدّيات صعبة أمام العلماء الّذين يكافحون لتطوير دواء للمرض. تحدث الطفرات في كلّ الفيروسات، ولكنّ وتيرة الطّفرات في الـ HIV عالية بشكل خاصّ. والسبب أنّ إنزيم النّسخ العكسيّ يخطئ كثيرًا عندما ينسخ الـ RNA للفيروس إلى DNA، ممّا يسبّب إلى طفرات كثيرة في تسلسل النّوكليوتيدات. إضافة إلى ذلك، لا يوجد للفيروس وسيلة ليصحح الأخطاء الناتجة في معلوماته الوراثية، لذلك تنتج فيه طفرات كثيرة. معظم هذه الطّفرات غير هامّة أو أنّها قاتلة للفيروس، ولكن أحيانًا تحدث طفرات تعطيه أفضليّة، مثل التّكاثر السّريع، التّهرّب من جهاز المناعة أو مقاومة الأدوية. معدّل تراكم الطّفرات مرتفع، وكذلك معدّل تكاثرها- حوالي عشرة مليارات فيروس في اليوم، في جسم مريض الإيدز. لذلك، الفيروسات التي تلائم نفسها تبقى وتدفع المرض قدمًا.

قدرة الفيروس على تطوير مقاومة للأدوية،  تجعل الأدوية بمرور الزّمن غير ناجعة. حسب التّقديرات، فإنّ أكثر من نصف العلاجات الّتي تقدّم للمعالجين الموجودين في مراحل متقدّمة من المرض، ويأخذون الأدوية التي من شأنها منع انتشار فيروس الإيدز في الجسم، تفشل، بسبب أنّ الفيروس ينجح في تطوير مقاومة ضدّ الأدوية.

بسبب تطوير مقاومة للأدوية في الـ  HIV، فعلى حاملي الفيروس أن يأخذوا خليطًا من ثلاثة أدوية، على الأقلّ، يوميًّا ودون توقّف. تؤثّر الأدوية على الفيروسات الّتي تنتقل من حالة السّبات إلى حالة النّشاط، وبذلك تمنع تفشّي المرض. العلاج المفضل لأغلب حاملي HIV  يشمل نوعين من الادوية، تناول الأدوية من مجموعة مُعيقات النسخ الرجعي، ودواء آخر من مجموعة أخرى. مرضى الإيدز يتناولون خلطة تحتوي على عدّة أدوية، من مجموعات مختلفة، لأنّه في حالة أنّ الفيروس مرّ بطفرة تزيل تأثير نوع من الدّواء، فالنّوعين الآخرين سيكونان قادرين على إصابة الفيروس.

تجري هنا- عمليًّا- عمليّة سريعة من التطوّر אבולוציה. لكن على الرّغم من وتيرة التّأقلم السّريعة، لا يوجد احتمال أن يطوّر الفيروس مقاومته لثلاثة أدوية في آن معًا. من أجل التّصعيب على الفيروس، من المعتاد تغيير الأدوية الّتي يتناولها المريض كلّ بضعة أشهر، وبهذا، أيضًا إذا طوّرت الفيروسات مقاومتها لجزء من الأدوية الموجودة، فالأدوية الجديدة تؤثّر عليها بصورة مختلفة. مع ذلك، هناك تخوّف كبير أنّه في مرحلة معينة ستتطوّر أصناف من الـ HIV تكون مقاومة- أيضًا- لمجموعة الأدوية الموجودة، بسبب حدوث طفرات معظم الوقت، وهذه ليست سوى مسألة وقت. وزيادة على ذلك، فإنّ عمليّة تطوير الأدوية تصبح معقّدة مع الوقت. عدد متزايد من المرضى الجدد، الّذين أصيبوا بالمرض مؤخّرًا، أصيبوا بصنف من الـ HIV الّذي ينجح بالتّهرّب من  كل الأدوية الّتي من المفروض أن تعيقه .

27

المعالَج من برلين

حالة نادرة جدًّا (ووحيدة حتّى الآن) للشّفاء من مرض الإيدز بسبب طفرة. تحدث لدى أشخاص معيّنين طفرة في الجين المشفّر لإنتاج CCR5، ولذا فإنّ المستَقبِل لا ينتج في خلايا أجسامهم. عدم وجود المُستقبل لا يؤدّي إلى ظواهر سلبيّة، والقدرة المناعية لدى الإنسان لا تضعف. بالمقابل، وتحديدًا غياب المستَقبِل عند هؤلاء الأشخاص، يكسبهم المناعة من الإيدز؛ فيروس الـ HIV غير قادر على الالتصاق إلى غشاء خلايا T لدى هؤلاء الأشخاص، لذلك لن تكون إمكانيّة أن يصابوا بالإيدز. في هذه الطّفرة يوجد نقص في 32 نيكلوتيدات في الجين المشفّر لـ CCR5.

تيموثي ري براون(Ray Brown)، والمعروف بـ ( المعالَج من برلين)، حمل فيروس الـ HIV وتعالج بالأدوية منذ سنة 1995. أصيب تيموثي بسرطان الدّم ( لوكيميا) في سنة 2006، وبعد أن فشل العلاج الكيماويّ بمعالجة المرض، كان الأمل الوحيد للشفاء زرع نخاع عظميّ. خلال عمليّة الزّرع يقومون بالقضاء على النّخاع العظميّ للشّخص المتلقّي، ويبدّلونه بالنّخاع العظميّ للمتبرِّع. إذا تمّ استيعاب النّخاع العظميّ الجديد، فإنّه يبني جهاز المناعة من جديد، وخلايا دم المتبرع الأخرى في جسم المتلقّي. لحسن حظ براون، الطّبيب الألمانيّ الّذي عالجه، جروو هوتر(Hütter)، بحث ووجد متبرعًا نادرًا جدًّا. كان للمتبرّع طفرة أكسبته مقاومة لـ HIV، ونخاع عظامه لاءم براون، للحدّ من فرصة الرّفض. ونتيجة للزرع تماثل براون للشفاء من اللّوكيميا، وحصل على جهاز مناعة جديد مقاوم للفيروس. توقّف عن تناول الأدوية لعلاج الفيروس. ومنذ عمليّة الزّرع وحتّى اليوم لا نجد علامات لل HIV في دمه، ولا في أنسجة جسمه الّتي فُحصت (الكبد، المستقيم والدّماغ).

نجاح علاج بتيموثي براون يرينا أنّه يمكن الشفاء من الـ HIV، ولكن شفاء تيموثي براون كان حاله خاصّة. (أ) تقريبًا لا يمكن العثور على متبرّع ملائم، ولديه طفرة للمقاومة، (ب) عمليّة الزّرع باهظة الثّمن، وتكلّف أكثر من 250,000 دولار، (ت) يوجد خطر كبير لموت المتلقّين، (ث) بما أنّ مصدر نخاع العظام من متبرّع غريب، فيجب تناول أدوية مضادّة للرّفض على مدى الحياة، كي نمنع ردّ فعل المتلقّي ضدّ الزّرع. حتّى نستعمل الطّفرة لعلاج الـ HIV يجب تطوير طريقة جديدة لإنتاج طفرات كتلك في خلايا المصابين، دون الحاجة لمتبرّع غريب وعمليّة زرع خطرة.

28
This free e-book was created with
Ourboox.com

Create your own amazing e-book!
It's simple and free.

Start now

Ad Remove Ads [X]
Skip to content