الثقافة العربية و العولمة by ابتسام عمار - Ourboox.com
This free e-book was created with
Ourboox.com

Create your own amazing e-book!
It's simple and free.

Start now

الثقافة العربية و العولمة

  • Joined Jul 2018
  • Published Books 2

المقدمة

        الثقافة هي روح الأمة وعنوان هويتها، وهي من الركائز الأساسية في بناء الأمم ونهضتها، فلكل أمة ثقافٌة تستمدّ منها عناصر بقائها ومقوماﺗﻬا وخصائصها، وتصطبغ بصبغتها  فتنسب إليها، وكلّ مجتمع له ثقافتُه التي يتّسم ﺑﻬا، ولكلّ ثقافة مميزاﺗﻬا وخصائصها. وعرف العالم الثقافة العربية الإسلامية عندما  استلم العرب زمام القيادة الفكرية والثقافية والعلمية للبشرية في القرن السابع للميلاد، واستمروا في مركزهم المتميّز إلى القرن الخامس عشر، ولمّا تراجع العرب والمسلمون عن مقدمة الركب الثقافي العالمي، ودبَّ الضعف في كياﻧﻬم، وتوقفوا عن الإبداع في ميادين الفكر والعلم والمعرفة الإنسانية، انحسر مدُّ ثقافتهم، وغلب عليهم الجمود والتقليد، وضعفوا أمام تيارات الثقافة الغربية العاتية التي أّثرت بقوةٍ في آداﺑﻬم وفنوﻧﻬم وطرق معيشتهم. إن الثقافة كلمة عريقة في اللغة العربية وهي تعني صقل النفس والمنطق والفطانة، وفي القاموس المحيط:  ثقف ثقفًا وثقافة، صار حاذقًا خفيفًا فطنًا، وثقَّفه تثقيفًا سوَّاه، ومنها تثقيف الرمح، أي تسويته وتقويمه. والثقافة ليست مجموعة من الأفكار فحسب، ولكنها نظريٌة في السلوك بما يرسم طريق الحياة إجمالًا، وبما يتمّثل فيه الطابع العام الذي ينطبع عليه شعبٌ من الشعوب، وهي الوجوه المميّزة لمقوّمات الأمة التي تتنماز ﺑﻬا عن غيرها من الجماعات بما تقوم به من العقائد والقيم واللغة والمبادئ، والسلوك والمقدّسات والقوانين والتجارب، وفي الجملة فإن الثقافة هي الكلُّ المركَّب الذي يتضمن المعارف والعقائد والفنون والأخلاق والقوانين والعادات. وتتميّز الثقافة بأنها  ظاهرة إنسانية، أي أﻧﻬا فاصل نوعيُّ بين الإنسان وسائر المخلوقات، لأﻧﻬا تعبيرٌ عن إنسانيته، كما أﻧﻬا وسيلتُه المثلى للالتقاء مع الآخرين وأﻧﻬا تحديدٌ لذات الإنسان وعلاقاته مع نظرائه، ومع الطبيعة، ومع ما وراء الطبيعة، من خلال تفاعله معها،وعلاقاته ﺑﻬا، في مختلف مجالات الحياة وهي قوام الحياة الاجتماعية وظيفًةً وحركًةً، فليس من عمل اجتماعي أوفنّي جمالي أوفكري يتم إنسانيًا خارج دائرﺗﻬا، كما أﻧﻬا عملية إبداعية متجدّدة، تُبدع الجديدَ والمستقبليَّ من خلال القرائح التي تتمّثلها وتعبّر عنها، وأﻧﻬا إنجازٌ كمّيٌ مستمر تاريخيًا، فهي بقدر ما تضيف من الجديد، تحافظ على التراث السابق، وتجدّد قيمه الروحية والفكرية والمعنوية، وتوحّد معه هويَة الجديد روحًا ومسارًا، وهذا هو أحد محركات الثقافة الأساسية، كما أنه بُعدٌ أساسٌ من أبعادها

2
الثقافة العربية و العولمة by ابتسام عمار - Ourboox.com

 ليست العولمة ظاهرة جديدة ولا هي وليدة الوقت الحاضر، إنها ظاهرة نشأت مع ظهور الإمبراطوريات في القرون الماضية. ففي ما مضى حاولت الإمبراطوريات مثل الإمبراطورية الرومانية والفارسية أن تصبغ الشعوب التي تبسط نفوذها عليها بثقافتها، وتسعى لترسيخ هذه الثقافة في مختلف جوانب حياة هذه الشعوب، كما عملت هذه الإمبراطوريات على توجيه فهم هذه الشعوب وتقاليدها وفق أنماط الحياة التي تريدها، فكانت هذه الخطوة الأولى نحو العولمة. وظهور العولمة- بحسب رأي عدد من الباحثين- يرجع إلى القرن الخامس عشر (عصر النهضة الأوروبية الحديثة) حيث التقدم العلمي في مجال الاتصال والتجارة، ويدلل أصحاب هذا الرأي على رأيهم بأن العناصر الرئيسية في فكرة العولمة تكمن في ازدياد العلاقات المتبادلة بين الأمم، المتمثلة في تبادل السلع والخدمات، أو في انتقال رؤوس الأموال أو في انتشار المعلومات والأفكار، أو في تأثر أمة بقيم وعادات غيرها من الأمم .

        وتتنوع الآراء التي تفسر وتبيّن نشأة العولمة وجذورها، ومنها الرأي القائل بأن جذور العولمة تعود إلى مشروع مارشال Marshall)) الأميركي بعد الحرب العالمية الثانية كمرحلة أولى في ظهور العولمة، والذي نتج عنه ظهور اتفاقية (بريتون وودز) والتي تأسّس بموجبها صندوق النقد والبنك الدوليان لتحقيق الاستقرار المالي، إضافة إلى إنشاء (الاتفاقية العامة للتعرفة والتجارة العام1947)، أو ما سمّيت لاحقاً بـ (اتفاقية الجات GATT) (الخزرجي،2004). أما المرحلة الثانية لنشأة العولمة فقد بدأت في عقد الخمسينيات من القرن الماضي، حيث تزايدت التكتلات الاقتصادية والمناطق الحرة والاتحادات الجمركية وتحرير حركة التجارة العالمية. في حين تمثلت المرحلة الثالثة بانهيار الاتحاد السوفييتي، وتحوّل بعض جمهورياته إلى اقتصاد السوق، وشهدت هذه المرحلة أيضاً إنشاء منظمة التجارة العالمية العام 1995، حيث وصل عدد الدول المنضمة إليها (137 دولة) في عام 2001.

        إن النشأة الحقيقية للعولمة، تبدأ مع استخدام العلم في المجتمع، ثم تبّني الحداثة والتكنولوجيا، وبعد ذلك تبّني ما بعد الحداثة، أي ببزوغ الثورة المعلوماتية وتكنولوجيا الاتصالات، وازدياد النزعة الإنسانية وحقوق الإنسان. ويؤرخ لها في هذا الاطار في الفكر الحديث بمرحلتين، الأولى بدأت منذ 1800-1900، واستخدمت فيها السيارة والقطار والهاتف، ثم تليها المرحلة الثانية وبدأت منذ 1900، وتطورت فيها ثورة المعلومات وثورة الاتصالات التي ما زالت تتعاظم. ففي المرحلة الأولى تحول العالم من عالم كبير إلى عالم متوسط، وفي المرحلة الثانية تحول العالم من عالم متوسط إلى عالم صغير بفضل تكنولوجيا المعلومات وثورة الاتصالات والمواصلات.

4

ما تأثير العولمة في الثقافة العربية؟

        إن العولمة ظاهرة جديدة قديمة، وتستمد خصوصيتها من تطورات فكرية وقيمية وسلوكية عدّة برزت بشكل واضح خلال عقد التسعينيات من القرن الماضي، ويأتي في مقدمة هذه التطورات انفتاح الثقافات العالمية المختلفة وتأثيرها وتأثرها ببعضها البعض، ولم يحدث في التاريخ أن أصبحت الثقافات والحضارات- بما في ذلك أكثر المناطق الثقافية انعزالاً- منفتحة ومنكشفة بقدر ما هي منفتحة ومنكشفة حاليا،ً ومثل هذا الانفتاح الثقافي يحدث للمرة الأولى في التاريخ (أبولبده، 2005). وتتجلّى مظاهر تأثير العولمة في الثقافات بالتطور الهائل في تقنيات وسائل الاتصالات والمعلومات، كالفضائيات والإنترنت، وما رافق ذلك من سرعة انتشار المفاهيم والقيم والأفكار عبر القارات من دون قيود، والحرية الكاملة في انتقال المعلومات والأفراد. وانتشار الثقافة الاستهلاكية الماديةً، بحيث أصبح العالم مقبلاً على رموز الثقافة الاستهلاكية ومعطياتها، التي غدت رائجة في العالم وموجودة في كلّ مكان وفي كلّ المجتمعات .

        وغني عن البيان أن تأثير العولمة على الثقافة العربية يظهر من خلال ما تفرضه العولمة عليها من تحدّيات غير مسبوقة، تدفعها إلى أن تعيد تأمل إمكاناتها لاكتشاف مدى قدرتها على الحركة في عالم ليس من صنعها، ولا تملك سوى مواجهته بكلّ تناقضاته، دافعها إلى ذلك حرصها على الوجود الفعال في هذا العالم الذي يجاور ما بين أقصى مظاهر التقدّم وأقسى مظاهر التخلف، وتتراوح المواقف العربية تجاه العولمة بين أولئك الرافضين الذين يدقون ناقوس الخطر وما يتضمّنه ذلك من محاولات الانكفاء الذاتي، وبين التوفيقيين الذين يتطلعون إلى (التواصل الثقافي)، وليس من شك في أن الثقافة العربية تتعرّض لخطر كبير بفعل ظاهرة العولمة، إذ تمثل العولمة الثقافية أخطر التحديات المعاصرة للثقافة العربية، وهذه الخطوة لا تتأتى من الهيمنة الثقافية التي تنطوي عليها العولمة فحسب، وإنما من الآليات والأدوات التي تستخدم لفرضها. فالعولمة ظاهرة تلغي الدولة والوطن والأمة، وتسهم في القضاء على الهوية القومية والوطنية، علما ًبأن الوسائل المستخدمة لتحقيق أغراضها هي تدفق المعلومات عبر الأقمار الصناعية والقنوات الفضائية وشبكات الإنترنت والتطور السريع فيها وثورة المعلومات، ومكمن الخطر هو في طمس الهوية والخصوصية الثقافية العربية، واجتثاث الثقافة العربية وتغييبها وإحلال الثقافة الأميركية محلها.

5

  لقد أدت العولمة إلى صبغ الثقافة العربية بالثقافة الاستهلاكية، فأصبح مجتمعنا العربي تستهويه الثقافة الاستهلاكية، لذلك فهو حريص على أن تتحول حياته إلى رحلة لا يأخذ فيها كتاباً ولا ورقة، بقدر ما يحرص على تعبئة عقلة ووجدانه بنزعة استهلاكية مدمرة، كي يصبح مجمل حديثه عن آخر ما نزل في الأسواق من الهواتف النقالة، والوسيلة التي تمكنه من اقتناء سيارة حديثة وجهاز كمبيوتر، متطوّر أو أنه يقضي معظم حياته وهو يلعن الفقر الذي لم يتح له الفرصة في أن يكون كائناً استهلاكياً، يقتني أحدث الماركات المعتمدة في عالم الساعات والعطور والملابس الجاهزة.

        فالثقافة العربية تحولت تدريجياً إلى ثقافة مضمونها تفضيل الكسب السريع والإيقاع السريع والتسلية الوقتية، وإدخال السرور على النفس وملذات الحسّ وإثارة الغرائز، هي ثقافة (الجريء والجميلات)، إنها قمع وإقصاء للخاص بعد اختراقه وهذا الاختراق إنما يستهدف العقل والنفس ووسيلتهما في التعامل مع العالم الذي هو الإدراك .

        لقد أدّت العولمة إلى تراجع دور الأسرة، فقد شهد عصر العولمة تفككاً في بنية الأسرة، ولعل مما يشير لهذا التفكك فقدان الأسرة لقدرتها على الاستمرار كمرجعية قيمية وأخلاقية للناشئة، بسبب مصادر جديدة لإنتاج القيم وتوزيعها، وفي مقدمتها الإعلام المرئي، فضلاً عن تخلي المرأة عن وظيفتها الأساسية في رعاية الناشئة، وإظهار طاقاتها في الإنتاج المادي على حساب ” صناعة الإنسان”، كلّ ذلك أدّى إلى غياب البيئة الصالحة التي تنشأ فيها القيم وتنمو فيها الأخلاق الإنسانية، والنتيجة هي أجيال من الشباب الضائع الحائر الذي يفتقد إلى الحب  والحنان والانتماء، هذا ولا يتوقف دور الفضائيات وثقافة الصورة عند هذا الحدّ، فمن خلال السينما والتلفزيون والفضائيات، يجد المتفرج أمامه أنماطاً سلوكية جذابة ومغرية، فالمرأة العصرية مثلاً يعتمد جزء أساسي من عصريتها على ملاحقة الموضه المتجددة في الأزياء سنة بعد سنة، بل موسماً بعد موسم حتى بدا خبراء الأزياء أكثر اهمية من علماء الطاقة النووية وربما أكثر بكثير.

6
الثقافة العربية و العولمة by ابتسام عمار - Ourboox.com

الخلاصة

        في ضوء ما سبق من تحليل لبعض الدراسات والأدب المتعلق بالعولمة والثقافة العربية والمجتمع العربي، فإن الدراسة تخلص إلى أن العولمة تركت تأثيراً سلبياً بالغاً على الثقافة العربية ومن أبرز مظاهر هذا التأثير:

–         شيوع الاتكالية والاعتماد على الآخر من غير العربي في المجتمات العربية وخصوصاصاً في الميادين الدقيقة.

–         تراجع الانتماء للأمة والقومية العربية لدى المواطن العربي من خلال إذابة هذا الانتماء واستبداله نظرياً بالانتماء للمجتمع الإنساني.

–         شيوع الثقافة السطحية المتمثلة بالرقص والطرب وسيطرة الفنانين والمطربين والراقصين على حياة المواطن العربي.

–         التبعية الثقافية للعديد من المفكرين والمثقفين والأكاديميين والمؤسّسات العربية للثقافة الغربية وللمؤسّسات الثقافية الغربية.

–         شيوع الاستهتار لدى فئة الشباب العربي وسعيهم وراء إشباع رغباتهم وحاجاتهم المادية والبيولوجية والبعد عن الإبداع والتجديد والتميّز في الفكر والإنتاج.

–         انتشار الكثير من الأمراض الاجتماعية كالخيانة، والزواج العرفي، وعقوق الوالدين، والعلاقات غير الشرعية بين الجنسين.

8

9
This free e-book was created with
Ourboox.com

Create your own amazing e-book!
It's simple and free.

Start now

Ad Remove Ads [X]
Skip to content